المنبرالحر

كل شيء من أجل المعركة! / مرتضى عبد الحميد

سابقاً كان هذا الشعار يرفع زوراً وبهتاناً من أجل قضية فلسطين، وكان من رفعه أول المتآمرين على القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني. رفعه نوري السعيد والعفالقة في شباط 1963، وعبد السلام وعبد الرحمن عارف، ومن جديد البعثيون وصدام حسين.
الآن تغيرت المعركة، ومع ذلك نرى ان هذا الشعار عاد مجدداً الى واجهة المشهد السياسي العراقي. ولكن عن اية معركة يجري الحديث الآن؟ هل هي معركة الشعب العراقي ضد الإرهابيين من "داعش" والقاعدة والميليشيات المنتشرة انتشار الفطر بعد يوم ماطر؟ أم معركة البناء والإعمار، وتوفير الخدمات الضرورية ومحاربة الفساد المالي والإداري؟
لا هذا ولا ذاك، إنها معركة من نوع آخر، وهي أهم من كل ذلك بكثير! لذلك حشد لها كل الامكانات والطاقات المشروعة وغير المشروعة، ولإعلاء راية الشعب والوطن! إنها المعركة الانتخابية القادمة في نيسان 2014، فالجميع مشغولون بها، والبعض بدأ مبكرا بالدعاية الانتخابية، إن ذلك مخالف كل المخالفة لقانون المفوضية العليا للانتخابات، والتي لم تحدد للآن موعدا لبدء الحملة الانتخابية، ومع ذلك تجد المباراة على أشدها في الوعود المعسولة، والقسم بأغلظ الإيمان، بأنهم سوف يحققون للناخبين ما يريدون ويشتهون، حتى الذي يحلمون به وإن كان ف?تازياً. كما ان المال السياسي الذي لا نعرف من أين يأتي؟ يفيض هو الآخر من إناء الكرم الحاتمي لمرشحي القوائم الكبيرة والمتنفذة، وكأنهم يغرفون من بحر. ربما والله أعلم يحصلون عليه من عرق جبينهم، وتعبهم ليل نهار! ولكن لماذا يبذرونه بمثل هذا السخاء في شراء الذمم وكسب المريدين، ونشر الدعايات وتعليق الفلكسات والصور الملونة حتى انهم دخلوا في منافسة مع نجوم هوليوود؟
اغلب الظن أنهم يرون في الفوز بهذه الانتخابات استثمارا رأسمالياً منتجا سوف يعود عليهم بأضعاف اضعاف المبالغ التي يصرفونها في دعايتهم الانتخابية ذلك ليس من خلال الرواتب والحمايات وحسب، وإنما من خلال المقاولات والعقود ايضاً، وهذا أضعف الإيمان. أما أقوى الإيمان فيشمل جوانب ومجالات أخرى. تتجسد بالشحن الطائفي والقومي أولاً، وليس آخراً تحويل الأقضية بالجملة الى محافظات، والمصيبة ان هذه الخطوة المفاجئة ليست لغرض الارتقاء بواقعها الاقتصادي - الاجتماعي، او لكثافتها السكانية، او لأنها مستباحة من الإرهابيين كما أعلن في تبريرات متهافتة، وكأن حل هذه المشاكل على ضخامتها وخطورتها يكمن في تحويلها الى محافظات بقرارات، اقل ما يقال انها غير مدروسة، وبدون أخذ رأي المعنيين بها أصلا، فلا مجالس المحافظات تدري، ولا الخبراء على اختلاف أنواعهم ومستوياتهم يعلمون، ولا عامة الناس أحيطوا علما مسبقاً بها.
السؤال الذي يطرح الان: هل ان مشاكل العراق والتحديات الخطيرة التي نواجهها انتهت، أو في طريقها الى الانتهاء، ولم يبق سوى هذا الهم الإداري أو الجغرافي شاخصاً أمام أنظار المسؤولين؟
ألم يجر التفكير قبل اتخاذ هكذا قرارات، بأنها ستفتح شهية الآخرين للمطالبة بتحويل مدنهم الى محافظات كما يجري حالياً، وبالتالي نكون كمن يسعى لحتفه بنفسه، عبر تمزيق الوطن وتحويله الى كانتونات وغيتوات، لاسيما وأنها ستقام على أسس عرقية وطائفية؟
ألم يكن باستطاعة الذين اتخذوا هذه القرارات الصبر والتأني لحين تهدئة الأوضاع الأمنية والسياسية في العراق، ومن ثم الانتهاء من ملف المناطق المختلف عليها (ولا أقول المتنازع عليها) لأننا ما زلنا نعيش في بلد واحد، ألا تحتاج قضية من هذا النوع الى دراسات وبحوث وتدقيقات، أم هي خبط عشواء، او كمن يحتطب في ليل؟
إنه الهروب الى الأمام بكل ما في الكلمة من معنى، ويبدو أننا أصبحنا مغرمين باستيلاد الأزمات والمشاكل، وتكبيرها، لكي يختلط الحابل بالنابل ويضيع الحق في ثنايا الباطل، فالمهم ان كل شيء من أجل المعركة!