المنبرالحر

البذور الأولى لتنظيم الحزب الشيوعي العراقي في مدينة الحلة (1935-1950) / نبيل عبد الأمير الربيعي

اختلف أغلب من كتب في تأريخ الحركة الشيوعية في كيفية دخول الأفكار اليسارية الماركسية إلى مدينة الحلة , ولتوثيق ذلك نرى إن الأفكار اليسارية الشيوعية قد دخلت مدينة الحلة " عن طريق الطلبة الذين أتموا دراستهم في معاهد بغداد ثم عادوا إليها , مثل محمد عبد اللطيف مطلب و عبد الرزاق عبد الكريم الماشطة .
وكذلك بوساطة المدرسين والأطباء والمثقفين الذين تم تعيينهم في دوائر الدولة , أو من المبعدين سياسياً من مدن أخرى مثل : عباس بلال وعدنان عبد الله براك ويونس خيري وعبد اللطيف حسين , فكان لهؤلاء الدور الكبير في نشر تلك الأفكار " (1), لكن آخرين يرون إن " شهر أيلول سنة 1935 كان قد شهد توزيع بيان للحزب الشيوعي العراقي في مناطق الفرات الأوسط وليس في الحلة تحديداً، ودعا البيان إلى مناصرة الفلاحين المتمردين",مع العلم إن في تلك الفترة قد صدرت " مجلة (الحكمة) لصاحبها رؤوف الجبوري بعد تعطيل جريدة الحزب الشيوعي (ك?اح الشعب) , وفي تلك المجلة نشر الفكر الماركسي , ولعل ذلك يعطينا مؤشراً عن بدايات التنظيم السري للحزب الشيوعي في الحلة " (2).
عند متابعتنا لمن وثق تاريخ الحزب في مدينة الحلة نرى إن واقع محلية الحلة الأولى لم يتم التعرف على أعضائها بسبب سرية التنظيم وقوة إيمان الأعضاء بعقيدتهم , وعند إلقاء القبض على قياديي الحزب في الحلة نراهم لم يعترفوا على خيوط التنظيم عند التعذيب , يذكر الكاتب والباحث عزيز سباهي في كتابه عقود من تأريخ الحزب الشيوعي العراقي إن"محلية الحلة الأولى لم يتم معرفتها لعدم اعتراف المسجونين الثلاثة المسؤولين عن الحزب وصمودهم الحديدي أمام التعذيب, وبسبب قوة إيمانهم بعقيدتهم وعلى الأغلب هي نفسها التي أصبحت في اللجنة?الثانية ", لكن عند متابعتي لمن كتب عن تأريخ الحزب في بابل فقد ذكر إن مَنّ ألقي القبض عليهم في تلك الفترة ومن القياديين للحزب كان من ضمنهم الأستاذ في كلية الهندسة/ جامعة بغداد (محمد عبد اللطيف عبد المطلب) حيث كان ارتباطه بمالك سيف وعند انهيار مالك سيف اعترف عليه وتم إلقاء القبض عليه من قبل شرطة التحقيقات الجنائية حيث "اخرج من جيبه في الطريق بعض المخطوطات التي تتعلق بأعماله السرية وباشر بتمزيقها فجمعت واحتفظ بها في ظرف خاص وأرسلت إلى الدائرة المختصة لتنظيمها وإعادتها إلى ما كانت عليه سابقا".(3).
بعد ترحيل محمد عبد اللطيف عبد المطلب وظيفياً إلى كلية الهندسة أصبح سكرتير محلية الحلة (جاسم محمد حلاوي- معلم ) , "أصبح المسؤول الأول عن اللجنة المحلية وذلك سنة 1946 " فكان منظم لجنة عمال السكك الحديدية مرتبطا بالشهيد حسين محمد الشبيبي . أما العضو الثالث لمحلية الحلة فكان شاكر فياض الذي أصبح عضو لجنة سكرتارية اتحاد الطلبة و "عضواً في اللجنة المحلية للحزب الشيوعي في اللواء المذكور ورئيساً للجنة اتحاد الطلبة في ثانوية الحلة ....كما انه اعترف باتصاله مع باركيف سركيس وعبد الهادي عبد الرضا وموسى جعفر الموقوفي? في القضية الشيوعية (فرع بغداد) "(4), اما العضو الرابع (احمد حسون الخطاب – معلم درس الرياضة) "عضو اللجنة المحلية في لواء الحلة, وفي سنة 1944 أصبح بدرجة عضو مرتبطاً بزكي بسيم وحسين الشبيبي ومنظماً للشيوعيين في المسيب.. حتى تاريخ إلقاء القبض عليه فيها عام1949 واستمر في سجن بغداد حتى استشهد داخل السجن في الحادث الشهير عام 1953 , أما الآخرون فهم ( عبد الله محمد علي ,جاسم محمد العنيبي, محمد حسن الوائلي – نجفي – مدرس في الحلة, هادي كاظم محمد جواد) "(5).
خلال مطلع الأربعينات من القرن الماضي شهدت مدينة الحلة تزايداً في عدد الأعضاء المنتمين للحزب فقد بلغ عددهم "(47) عضوا فيما ضمت مدينة المسيب (6) أعضاء , أما مدينة الهندية و المحاويل , فقد ضمت كل منهما عضوين فقط " (6) , لكن بعد عام وثبة كانون 1948 وهو العام الذي أقدمت الحكومة العراقية على مشروع المعاهدة العراقية – البريطانية والتي تسمى (معاهدة بورتسموث) , قام الطلاب والطالبات في الحلة بتظاهرات اشتركت فيها جميع طبقات الشعب وهم ينادون بلسان واحد بسقوط عهد الإرهاب والمصالح الاستعمارية والانتخابات المزورة , فقد?حقق الشعب العراقي وفي طليعته شبابه المثقف بعض الأهداف والمطالب الجماهيرية , فكان من جملة ما قام به المتظاهرون حرق مركز الاستعلامات البريطاني في الحلة الذي كان يروج للسياسة البريطانية في العراق ويوزع مطبوعات باللغة العربية أهمها (مجلة النفير ) ,يبدو إن تلك المرحلة كانت خصبة في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي في الحلة ,كما تزايد عدد الشيوعيين في ريف الحلة, وتكونت لجان وخلايا فلاحية في أغلبية أرياف لواء الحلة حيث يتم اللقاء بين أعضاء التنظيم بطريقة الجولات المتواصلة حيث " انتشرت أفكار الحزب في تلك الفترة , فكان? كوادره موزعة كما يلي :
في ناحية المدحتية : عبد الله الحمزة وبدر كاظم الحبيب وشهاب حمد الكوماني وجاسم محمد الحسن وجابر عبد الجزائري وعبد الحسن الشمري وشاكر هاتف شياع ومنديل كاظم العبود, وفي ناحية القاسم كان من الكوادر المتقدمة جاسم حسن الشلال (صهر كاظم الجاسم) مسؤول تنظيمات القاسم والشيخ احمد العبد الله ,وفي ناحية المحاويل (المعلم) غازي حسين , (مسؤول تنظيم) المحاويل ومعن جواد و وجيه عبد الله, وفي قضاء المسيب :حسن عباس (الركاع) وجعفر ابو العيس (مسؤول التنظيم) ومهدي الأنباري وجبار حساني وعبد القادر بهية و احمد حسون توفي في سجن الك?ت سنة 1949 و في الهاشمية: جواد فرحان وعلي ناجي الشريفي , وفي قضاء الهندية : عبد الغني عبد الهادي (مسؤول التنظيم) , وفي محاويل الصباغية :مجيد طعمة جريو , وفي قرية البو شناوة : كاظم الجاسم وعبد زيد نصار وعباس خضير , وفي ريف الحلة : خليف العبد علي (البو طيف) "(7) , ومن الشيوعيين الأوائل في الكفل (صاحب حسون)و(فاضل محسن), " وقبل وثبة كانون طالب الحزب بإجازة منظمة(عصبة مكافحة الصهيونية) التي لعبت دورا كبيرا على الساحة السياسية برفع شعار(نحن أخوان اليهود وأعداء الصهيونية ) , فكان معظم أعضاء الحزب من الطبقة الوس?ى ومن طبقات العمال والفلاحين , لذلك كانت الحلة في المرتبة الخامسة في توزيع صحيفة الحزب الأساسية القاعدة قبل عام 1948 "(8).
بعد اعترافات مالك سيف وإعدام قادة الحزب (فهد, حازم, صارم) تعرض الحزب إلى نكسة كبيرة سنة 1949 عند, فقد أشار الباحث الفلسطيني حنا بطاطو في كتابه الثاني عن تنظيمات الحزب الشيوعي المستقاة من ملفات دائرة الأمن " بلغ عدد الشيوعيين المنتظمين بدرجات عليا في لواء الحلة لعام 1947 (50) شيوعياً , كان من بينهم (39) شيوعياً من مركز الحلة وخمسة شيوعيين من قضاء الهندية وأربعة من قضاء المسيب واثنان من المحاويل. إن عدد الشيوعيين المسؤولين تدنى إلى (21) عضواً في سنة 1954"(9).
أما ابرز الشيوعيين الأوائل في مدينة الحلة , بالإضافة إلى الأسماء السابقة فهم كل من (موسى الطائي, ,موسى جعفر , طالب عبد الأمير ,تركي عبد الحسين , كريم العنيبي وشقيقة كريم العنيبي , عباس كربل, وشقيقة عباس كربل, مجيد محمود مطلب, عبد الرزاق المسعودي , عامر الصافي , علي السلطان , الشيخ ناجي الزهو , كاظم الصحاف, عباس البياتي ) والشيخ حميد سعيد الغاوي الذي عمل في حركة أنصار السلام بعد ثورة تموز 1958 ,
ساهم تنظيم الحزب الشيوعي في مدينة الحلة في العديد من المواقف الوطنية العامة. ففي الفترات السابقة كان أعضاء التنظيم في مقدمة المطالبين بالاستقلال كما في حركة مايس عام 1941 والتظاهرات عام 1948 بإلغاء معاهدة بورتسموث , وانتفاضة 1952 و1956, والمطالبة بالاستقلال وعدم التبعية للاستعمار البريطاني و دعا الحزب للمطالبة بحل القضية الكردية حلا سلميا , كما قاوم الشيوعيون النظام الملكي البائد وأحداث انقلاب 8 شباط عام 1963 من خلال المقاومة في بغداد والمحافظات في فرق مسلحة , فكان من اشد سنوات الصراع السياسي الداخلي ب?ن مختلف القوى السياسية الوطنية , استطاع تنظيم مدينة الحلة أن يقدم كوادر قيادية في الحزب الشيوعي العراقي خلال المراحل التي مرّ بها الحزب , كما ساهم الحزب برفع درجة الوعي السياسي والوطني لأبناء المحافظة من خلال البيانات والمنشورات والصحف والمنظمات الجماهيرية.

المصادر

1-(الباحثان د. ستار العبودي ود.كريم الزبيدي (الحزب الشيوعي العراقي في لواء الحلة ص16 )
2 - د. عبد الرضا عوض –الحلة في العهد الجمهوري الأول ص100 – مطبعة دار الفرات الاعلامية
3 -عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ج1 ص166
4- عامر تاج الدين -الجمعيات والتنظيمات السياسية في الحلة ص335 اعتماد على التحقيقات الجنائية ,م.س ص348
5- نفس المصدر السابق للباحث عامر تاج الدين في ص336
6- نفس المصدر السابق للباحث عامر تاج الدين نفس المصدر ص337
7- حنا بطاطو العراق- الحزب الشيوعي ج2 ص435 الجدول أ-36
8- د. عبد الرضا عوض – الحلة في العهد الجمهوري الأول ص105 – مطبعة دار الفرات الاعلامية
9- حنا بطاطو العراق- الحزب الشيوعي ج2 ص436 الجدول أ-36