المنبرالحر

يستطيعون قطع الاشجار، لكنهم عاجزون عن منع قدوم الربيع / مرتضى عبد الحميد

في مثل هذه الأيام، وقبل إحدى وخمسين سنة، انتشر مرض خطر، ووباء لم يعرفه العراقيون سابقاً على امتداد تاريخهم المليء بالندوب والثقوب السوداء، فاحرق الاخضر واليابس، وسعى لإماتة كل ما هو حي في ارض العراق وشعبه.
ففي 8 شباط 1963 جاء البعثيون وحلفاؤهم ومعهم وليدهم المسخ الحرس القومي الذي انطلقت قطعانه لتطبيق برنامجها الاجرامي، في الاعتقالات العشوائية الجماعية والقتل والتعذيب والاغتصاب وانتهاك الحرمات، تنفيذاً لأهداف عروس الثورات، كما كانوا يسمونها! هذه العروس التي اشترك في فض بكارتها كثيرون، لا يجمعهم جامع سوى العداء للشعب ولثورة 14 تموز وللشيوعية، بدءاً من العفالقة وبعض الفئات القومية والإقطاعيين الى شركات النفط والدول الرجعية في المنطقة، باشراف الأمريكان والبريطانيين الآباء الروحيين لهؤلاء جميعاً.
إن خلفيات هذا اليوم المشؤوم اضحت معروفة للقاصي والداني، كذلك المحاولات الانقلابية الكثيرة التي بلغت تسعاً وثلاثين محاولة للقضاء على ثورة 14 تموز المجيدة، التي انهت النظام الملكي الرجعي، والتابع الذليل للاستعمار البريطاني. وحققت العديد من المنجزات الكبيرة لابناء شعبنا العراقي. وكان مقدراً لها ان تتجذر سياسياً واجتماعياً وتحقق المزيد، لولا الأخطاء القاتلة التي ارتكبتها قيادة الثورة بشخص الزعيم عبد الكريم قاسم بشكل أساسي، وفسحه المجال امام المتآمرين علناً على مسيرة الثورة لتبوؤ المواقع القيادية العسكرية والمد?ية. الامر الذي وفر لهم الفرصة لتحقيق مآربهم الدنيئة، والصعود في العربات الاولى للقطار الامريكي الذي كان سائراً باقصى سرعته لدهس ثورة 14 تموز والقضاء على تطلعات وطموحات الشعب العراقي.
ومن الطبيعي أن تتوجه سهامهم الغادرة اولاً وقبل كل شيء، الى حماة الثورة ومن يزود ماكنتها بالوقود، وبالقدرة على السير في أكثر الطرقات وعورةً، وهم الشيوعيون والديمقراطيون، حيث امتلأت بهم السجون والمعتقلات، بل استطاع الانقلابيون الفاشست، الحصول على براءة اختراع في تحويل المدارس والأندية الاجتماعية والملاعب الرياضية على سعتها، الى معتقلات ومسالخ بشرية، مستهدفين تصفية خيرة بنات وأبناء شعبنا العراقي. فاستشهد الآلاف، واعتقل وعذب عشرات الآلاف في وقت كان تعداد سكان الشعب العراقي لا يتجاوز الـ سبعة ملايين إلا بقليل.
استشهد قادة الثورة من الضباط الأحرار، واستشهد قادة الحزب الشيوعي العراقي والكثير من كوادره وأعضائه ومؤازريه، في محاولة بائسة لاجتثاث الشيوعيين وحزبهم من التربة العراقية، والحصول على المكافأة الموعودين بها من أسيادهم.
ورغم تقطع أوصال المنظمات الحزبية، وتصفية العديد منها، الا ان الإصرار الشيوعي والادراك العميق للرسالة التاريخية في الوطن الحر والشعب السعيد، كانا كفيلين بتجاوز المحنة، ومداواة الجراح العميقة التي حرثها الأوباش في جسد الحزب. وكم كانت الامثلة رائعة من منظمات الحزب ورفاقه، حتى الفتيان منهم، والذين كانوا في اول الطريق، حيث بادروا الى العمل المثابر والبطولي، لاعادة لحمة المنظمات الحزبية وربطها بالمركز، بل ان الكثير من هؤلاء الأبطال كانوا يصدرون بيانات ونشرات حزبية، اغلبها كتابة باليد، يوزعونها ويلصقونها في الاما?ن العامة، وهي تؤكد على مواصلة النضال، وعلى فضح الانقلابيين ومن يقف وراءهم. كما ان بعض المنظمات انقطعت لفترة تقارب السنة وحتى السنتين، ومع ذلك ظلت تجتمع وتواصل عملها الحزبي والجماهيري، وتجمع ماليتها الى حين استطاعت العودة مجدداً الى أحضان الحزب.
هذا هو ديدن الشيوعيين، في كل زمان ومكان، لا يأبهون بالتضحيات الغالية التي يقدمونها، اذا كانت من اجل شعبهم وكادحي بلدهم، رغم أنهم الاكثر حباً للحياة، والأكثر تذوقاً وشعوراً بجمالها وثرائها، ولذلك فشل وسيفشل كل الذين يعادون الحزب والفكر الشيوعي، قديماً وحديثاً، داخلياً واقليمياً وعالمياً.
ان تاريخ الشيوعيين المجيد، ومنهجيتهم العلمية، وإخلاصهم لقضية شعبهم، هو المعين الذي لا ينضب على مواصلة النضال مهما ادلهمت الخطوب، وعلا نشيج الزمن، وبالتالي القدرة على تحقيق ما يصبو اليه العراقيون، وبضمنه العمل مع كل الخيرين في عراقنا العزيز، لتغيير موازين القوى السياسية والاجتماعية الحالية، وقبر المحاصصة الطائفية، وكل انواع المحاصصات، التي هي الاساس في خراب العراق وتدميره.
نعم يستطيعون قطع الأشجار، لكنهم قطعاً لا يستطيعون منع حلول ربيع الشيوعيين والشعب العراقي.