المنبرالحر

المراهنة على الاستثمار الاجنبي / محمد شريف أبو ميسم

تكرست منذ سنوات فكرة استقدام الشركات الأجنبية لبناء البلاد التي خربها ثالوث الدكتاتورية والاحتلال والطائفية السياسية اذ راهن الكثيرون على الاستثمار الأجنبي في العراق بوصفه الدواء الذي سيعالج حالة التردي وتجاهلوا بقصدية الطاقات الكامنة في البلاد وفي مقدمتها طاقات القطاع العام العراقي بذريعة انه واقع تحت ضغط الفساد وسوء الادارة ، وبقي نحو 196 شركة عامة عراقية بانتظار ما سمي ببرنامج اعادة هيكلة الشركات العامة على الرغم من الانفاق المالي الكبير على تحديث خطوط الانتاج في بعض معامل تلك الشركات العاملة بالقطاع الصناعي، وعلى الرغم من اعادة تدوير عجلة الانتاج في البعض منها ، الا ان انتاجها بقي مستباحا بمنافسة غير متكافئة مع مثيلاتها من السلع المستوردة، وظلت معامل بعض تلك الشركات خاسرة العاملون فيها يعانون كل شهر من تأخر وصول رواتبهم التي تدفع عن طريق سلف من وزارة المالية .. وهذا المشهد المتكرر أعطى رسالة واضحة عن القصدية التي اريد بها الاتكاء على فكرة بيع الشركات العامة للقطاع الخاص وهذا ما يسميه البعض باعادة هيكلة الشركات العامة فيما يدرجه الاصطلاح الاقتصادي تحت خانة (الخصخصة) ويسميه البعض الآخر بهدف خلط الأوراق "الاستثمار المباشر".. واذا ما بيعت أسهم هذه الشركات لرأس المال الأجنبي فيطلقون عليه "الاستثمار الأجنبي المباشر" ..لتصوير الأمر وكأن الاستثمار الأجنبي هو بيع القطاع العام لرأس المال الأجنبي وليس دخول رأس المال الأجنبي بهدف إضافة طاقات إنتاجية جديدة كما يحصل في كل العالم!
ان الاستثمار الأجنبي الذي ارتفعت معدلاته في العراق الى 20 ضعفا (بحسب وكالة Jica الجنوب شرق اسيوية) ليصبح 60 مليار دولار امريكي في مطلع 2013 بعد ان كان ثلاثة مليارات دولار في مطلع 2009 ظل مقتصرا على القطاع النفطي وهو نوع الاستثمار المباشر الذي تحمس له البعض بهدف اضافة طاقات جديدة للطاقات القائمة .. والجميع يعلم ان هذا النوع من الاستثمار تواجهه مجموعة كبيرة من المحددات والمعوقات الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية في القطاعات الأخرى جراء ارتفاع نسب المخاطر وانخفاض المعدل التخميني للعوائد مقارنة بالقطاع النفطي،بجانب ما يعانية الاقتصاد العراقي من ضعف في العوامل الساندة لزيادة المشاريع من تذبذبات في أسعار صرف العملة ومعدلات تضخم مرتفعة وخلل كبير في المنظومة المالية (ممثلة بضعف القطاع المصرفي وعدم قدرته على تمويل المشاريع الكبيرة ، وغياب شبه تام لشركات تأمين قادرة على التعاطي مع تدفقات مالية عالية وإدارة ملفات لشركات تبحث عن الضمانات في ظروف أمنية متصاعدة ومن بيروقراطية ضاربة في جسد الجهاز الاداري وفساد مالي مع انعدام الشفافية في البيئة الاقتصادية وافتقار شبه تام لمؤسسات داعمة لاقتصاد السوق بجانب عدم الاستقرار السياسي والأمني.. وازاء كل ذلك فان ارتفاع معدل تدفقات رأس المال الأجنبي الى الداخل العراقي بهدف الاستثمار المباشر يعد علامة نجاح فارقة في مسيرة البناء والاعمار في البلاد اذا صحت التقديرات، ما يعني ان بيئة العمل العراقية تمتلك من عناصر الجذب برغم كل المعوقات ما يجعلها محط اهتمام رأس المال الأجنبي ، وعلى القائمين أن يوظفوا هذه المزية لمزيد من الاستقطاب.. وبالأمس أعلنت دائرة تسجيل الشركات الأجنبية بوزارة التجارة ارتفاع عدد الشركات الاجنبية التي تم تسجيلها من24 شركة اجنبية في كانون أول (تمثلت بخمسة فروع و 19 مكتبا?تمثيليا) الى 45 شركة في كانون الثاني (تمثلت بتسعة فروع و36 مكتبا تمثيليا لها في العراق) وهذه المؤشرات تعد بارقة أمل في بيئة عمل تحاول أن تستقر.. بيد ان السؤال هنا: في أي قطاع من القطاعات الاقتصادية وفي أي نوع من الاستثمار ستعمل هذه الفروع والمكاتب؟ فهل نحن ازاء فروع ومكاتب لشركات أجنبية ستزيد من معدل المضاربات في القطاعات المالية ،أم نحن ازاء استثمار مباشر يضيف طاقات انتاجية جديدة في القطاعات الحقيقية ؟ وعلينا الوضوح في هذا .. ونعمل بجد لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر ليضيف لنا طاقات انتاجية جديدة تنشط الدو?ة الاقتصادية وتشغل الايدي العاملة العاطلة بموازاة اهتمامنا بالطاقات الوطنية القائمة وحمايتها وتطويرها بشكل جاد لأنها ستكون بمثابة العمود الفقري لاقتصادنا الذي سترتكز عليه اقامة الاقتصاد تحت أي ظرف ينسحب على اثره رأس المال الأجنبي من البلاد .