المنبرالحر

مجلس النواب العراقي يتحدى الشعب والمحكمة الاتحادية العراقية العليا/ زهير كاظم عبود

عرف قانون التقاعد المدني في المادة ( 1/سابعا ) الموظف : بأنه كل شخص عهدت إليه وظيفة مدنية او عسكرية او ضمن قوى الامن أو مكلف بخدمة عامة والذي يتقاضى راتبا أو اجرا أو مكافأة من الدولة وتستقطع منه التوقيفات التقاعدية .
كما عرف في الفقرة ثامنا الموظف المؤقت بأنه : كل شخص جرى التعاقد معه وتوفرت فيه شروط التوظيف المنصوص عليها في قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960المعدل.
وبهذا فقد حصر القانون تعريف الموظف المستمر بالخدمة العامة او المتعاقد المؤقت ، إلا أن القانون تناقض مع نفسه في ما ورد بالمادة ( 37 ) منه والتي نصت على مايلي :
اولا ـ استثناء من احكام المادة (21) من هذا القانون (( والتي نصت على وجود خدمة فعلية لاتقل عن 15 سنة ولايتم صرف الراتب التقاعدي الا بعد بلوغ الموظف 50 سنة. )) يحتسب الراتب التقاعدي لـ ( رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء ونوابهم وأعضاء مجلس النواب والوزراء ومن هم بدرجتهم وأعضاء مجلس الحكم ومناوبيهم وأعضاء المجلس الوطني المؤقت ورئيس وأعضاء الجمعية الوطنية ووكلاء الوزارات ومن بدرجتهم ومن يتقاضى راتب وكيل وزارة والمستشارين وأصحاب الدرجات الخاصة ومن بدرجة مدير عام ومن يتقاضى راتب مدير عام ) في حالات التقاعد والوفاة والاستقالة بموافقة الجهات المختصة .
فقد تم حشر أعضاء مجلس الحكم وجميع مناوبيهم ، كما تم حشر جميع اعضاء الجمعية الوطنية ورئيسها ، وجميع اعضاء المجلس الوطني ورئيسه ، وجميع من كان بدرجة وزير ، وجميع من كان بدرجة وكيل وزارة ، وجميع من كان يتقاضى راتب وكيل وزارة حتى ولو لم يكن بدرجة الوكيل ، وجميع المستشارين في الوزارات والرئاسة ، وجميع اصحاب الدرجات الخاصة التي يتم منحها من قبل رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ، وكذلك كل من كان بدرجة مدير عام .
وفصل القانون مستحقات هؤلاء على الشكل التالي :
أولا : (25%) خمسة وعشرون من المائة من اخر (راتب اومكافأة او اجر) والمخصصات التي تقاضاها في الخدمة
2.تضاف نسبة(2,5%) اثنين ونصف من المائة من اخر(راتب او مكافأة او اجر) والمخصصات عن كل سنة من سنوات الخدمة على ان لا يزيد عن(80%) ثمانين من المائة منه.
أن الخطأ المتعمد الذي وقع به القائمون على تشريع مثل هذا القانون هو أنهم اعتبروا اعضاء مجلس النواب (( موظفين مستمرين بالخدمة )) ، في حين ان القانون لايشملهم باعتبار ان المادة ( 63 ) من الدستور العراقي نصت على تحديد حقوق وامتيازات رئيس مجلس النواب ونائبيه وأعضاء المجلس بقانون ، وبذلك فان الدستور وهو ملزم الاتباع حدد بشكل خاص الحقوق والامتيازات التي يستحقها رئيس ونواب الرئيس وأعضاء المجلس سواء خلال مدة ممارستهم لعملهم أو بعد انتهاء مهماتهم ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فأن عضوية مجلس النواب هي مهمة تشريعية لاتشملها احكام قانون الخدمة المدنية ولا تخضع لأحكامها ، وعضو مجلس النواب يفترض بأنه ممثل عن عدد محدد من الشعب تم منحه الثقة والوكالة بالدفاع عن مصالحهم و المطالبة بحقوقهم في المؤسسة التشريعية ، ولا يعقل ان يتم اعتباره أجيرا يستحق عن تلك الفترة حقوقا تقاعدية مدى الحياة ، في حين انه يتقاضى مخصصات ورواتب وامتيازات طيلة فترة عمله في فترة مجلس النواب باعتباره ممثلا ووكيلا عن الشعب.
كما ارتكب مجلس النواب خطيئة تشريعية متعمدة جديدة حين اعتبر القضاء وظيفة مدنية وشموله بقانون التقاعد المدني ، وهو ما فعله الدكتاتور صدام حسين حين اراد اهانة وتحجيم دور القضاء العراقي ، حيث أن الغاء القوانين الخاصة بالقضاء يعد تعرضا للسلطة القضائية المستقلة والتي اكد الدستور العراقي في اكثر من مادة ( 19 و 47 و 87 ) على استقلاليتها.
كما منحت المادة ( 37 / ثالثاً ) مدير الناحية وأعضاء المجالس المحلية والاقضية والنواحي والمجالس البلدية (القواطع والأحياء) ممن لديهم خدمة تزيد عن (4) اربعة سنوات راتب الحد الادنى المقرر بموجب احكام هذا القانون . دون ان تبين تبريرا منطقيا لهذا الراتب لمن كانت خدمته حوالي 48 شهرا ، من أن يستحق راتبا تقاعديا مدى الحياة عن هذه الأشهر ، في حين ان القانون حدد مدة 15 سنة وهي فترة الحد الأدنى للخدمة التي يستحق بموجبها المتقاعد استحقاقه ، خارقا بذلك مبدأ المساواة أمام القانون لكل العراقيين ، الذي حدده الدستور في المادة ( 14 ) منه .
ودون اي اعتبار للمطالبة الشعبية فقد ضرب المجلس عرض الحائط تلك التظاهرات والمطالبات الشعبية التي عمت العراق ، تطالب بعدم استحقاق عضو مجلس النواب ورئيسه ونوابه اي رواتب تقاعدية عن فترة الدورة الانتخابية ، وتعززت تلك المطالبات بقرارات من المحكمة الاتحادية العليا ، وهي قرارات باتة وملزمة بمقتضى المادة ( 94 ) من الدستور ، وبهذا فقد تم تمرير القانون على حساب الشعب وتحديا صارخا لأرادته ولقرارات المحكمة الاتحادية العليا ، ويشكل هذا التحدي موقفا خائبا في اعتقاد اعضاء مجلس النواب من الذين قاموا بتمرير القانون أنهم تمكنوا من اصدار قانون يضمن لهم حقوقا مدى الحياة ولو على حساب قوت العراقيين والمال العام ، متناسين أن الشعب لهم بالمرصاد وسيكتب اسماؤهم مجللا بالخزي والعار وهم مستعدين لبيع اهلهم وإخوتهم وان كان اغلبهم وأكثرهم لم ينتخبهم الشعب ولم يختارهم ، إنما تم زجهم في مسؤولية التشريع وهم ليسوا اهلا لهذا ، فقانون التقاعد المدني الموحد قانونا ملغوما يضمن حقوق لمن لا يستحقها ، وهو موقف ليس بالغريب على من تتغلب مصالحه ورغباته الشخصية على الصالح العام ، وتعكس المواد التي كرست الاختلاف في نظرة مجلس النواب للعراقيين في قضية الحقوق العقلية التي انيط بها قضية التشريع وهي من اهم وأنبل المهام الوطنية ، ولعلنا نقول بان العراقيين سيتذكروا تلك الاسماء التي عملت من اجل إيهام المواطن والإثراء على حسابه وليس غريبا ان تأتي الاسباب الموجبة للقانون متناقضة مع النصوص التي وردت فيه .