المنبرالحر

ليست ماءً.. دماءُ الشيوعيين / ئاشتي

ُحبّرُ صفحات تاريخ الوطن بعمق لون الدم المراق، وأمسح من جبهة هذا التاريخ كل الادران التي ألصقها عتاة الغدر، فليس هناك أوفى من أن تظل هذه الدماء نقية كنقاء الذين نزفت من شرايينهم، مثلما ليس هناك أزكى عطرا من تلك الدماء التي اشتعلت بوهجها كل قناديل هذا الوطن. دماء الشهداء الشيوعيين من تلك الدماء، فلم تكن في يوم ما ماء بل هي دماء زكية يا حكامنا، غطت برحيقها كل زنازين أنظمة الاستبداد وفاح عطرها عبر شقائق النعمان على جبال كردستان وصخورها. دماء الشيوعيين ليست بحاجة إلى منّة من حاكم لأنها أصدق في حبها للناس والوطن، دماء الشيوعيين ليست بحاجة إلى العطف لأنها أكثر أخلاصا للأفكار التي آمنوا بها. دماء الشيوعيين ليست بحاجة إلى النور لأنها تزاحم الشمس في ضوئها، فحين يستعرض التاريخ في صفحاته وهج الشهادة يرسم هالة من الحب للشهداء الشيوعيين. قافلة من الشهداء تمتد سنوات عمرها لأكثر من ستين عاما، يوم ارتقى قائد ومؤسس حزبهم المشنقة وهو يهتف (الشيوعية أقوى من الموت وأعلى من أعواد المشانق). وأستمر مسير هذه القافلة نحو الشمس، سيما وقد أبتلى وطننا وشعبنا بأنظمة جائرة، والدم الشيوعي يرفض الجور مثلما يرفض الاذعان لقرار ينتهك كرامة الوطن والإنسان.
أحبّر صفحات تأريخ الوطن بعمق لون الدم المراق، وأنا استعيد بذاكرتي شوارع ومدارس وحدائق ومستشفيات وصالات ثقافية ومهرجانات وجوامع وكليات وأحياء شعبية ومناسبات، فلم أجد منها واحدا يحمل أسم شهيد شيوعي! فهل كثير على مدينة النجف أن تسمي شارعا من شوارعها باسم سلام عادل؟ وهل صعب على البصرة أن تطلق اسم هندال على شارعها الوطني؟ أم أن الناصرية تستحي من أن تسمي شارعها الرئيسي باسم فهد؟ أو تطلق الموصل اسم يحيى قاف على احدى مدارسها؟ وتسمي بابل الشارع المؤدي إلى آثارها باسم طه باقر؟ أم أن بعقوبة خجلى من أن تزغرد باسم خليل المعاضيدي على اتحاد أدبائها؟ أي ناس أولئك الذين يتنكرون لدماء أبناء وطنهم؟ حتى لو كانت دماؤهم ماءً، فلا يمكن التنصل منها. ولكن هل حقا كانت دماء الشيوعيين ماء يا حكامنا؟؟
أحبّر صفحات تاريخ وطن (ظل ينزف أبناؤه بين قصر النهاية والماء والعجلات السريعة) واستنجد بشاعر الحداثة ادونيس وهو يرتل أفكاره:
( جبل من الكلمات ِ
يَنبع دماً –
ما اغرب هذا الذي نـُسميه الواقعَ:
تـُحرث،ُ وتـُزرعُ، وتـُحصدُ
على هوى المخيلة)