المنبرالحر

ويسألونني عن الشهيد ! / عبد الجبار السعودي

*((من قال "لا" في وجه من قالوا "نعم "

من علّم الإنسان تمزيق العدم
من قال "لا" فلم يمت ،
وظلّ روحاً أبديّة الألم !))
روح سبارتكوس التي كانت تجوب التأريخ و تنعشه في أفئدة الثائرين، ومنذ أن عرفتهُ ثائراً في وجه الحاكمين، و مُنذ أن دفعني*(خالي) لأشاهد مراراً عرضاً سينمائياً لتلك الملحمة في دار سينما الوطني في البصرة في مطلع الستينيات، كي أرى صراع المضطهدين ضد سلطة الأمبراطورية الرومانية و جبروتها. منذ تلك الأيام عرفتُ وأنا في السابعة حكاية اسمُها: الشهيد!
في شباط الأسود من عام 1963، انتحبت اُمي كثيراًعند رحيل *(الزعيم) الذي استشهد وغدا ذكرى لم تزل حكايتها تروى لليوم! حكت لنا بفطرتها، كيف أن عاصفة ترابية قد هبت يوم اُعدم فهد، فتراءت أمام عيني تلك السحابة الحمراء التي غطت مشهد مصرع سبارتكوس!
توالتْ دموية أحزان الوطن، وكان (يوماً) مخيفاً لي، متردداً في خطواتي وأنا أزور مع جموع الزاحفين نادي الأتحاد الرياضي في العشار، الذي اتخذه مجرمو شباط معتقلاً للتعذيب والتصفية الجسدية، فقد فزعت عيوني، وهي تشاهد في أروقة النادي ومنازعه، (كصايب شعر) لفتيات وملابس داخلية و دماءً تلطخت بها الجدران وأدوات تعذيب وقتل بشعة! واختفى أيّ أثرٍ للضحايـــا،أيُّ أثر للشهيدات،اختفى الشهداء! لربما نمتُ ليلتها مدارياً تعبَ جسدي النحيل، لكن وجعَ سبارتكوس وتلك الصلبان التي امتدت لتحمل أجساد الضحايا وهي تنوء، وإغفاءة الزعيم ونحيب اُمي ولطمها وجدائل الشعر المحنّاة بالدماء وصراخ الضحايا قد أيقظ الليل في عيوني، ولا زلت !
عرفتُ حكاياتٍ أخرى،عشتُ لصيقاً للحيّ البطولي*(كاورباغي) في كركوك و كنتُ فتىً يافعاً وعرفتُ من *(هاوري) أن شهداءً هنا قد سقطوا، في هذه البقعة، في إضراب سلمي مطالبين بحقوقهم! في تلك الأيام وفي ذات المدينة، و في يومٍ صيفي من تموز، كانت هديتي (فانيلة حمراء) من شيخ عجوز، هو جدّ أحد الصغار، وزعها علينا نحن الفتية بعد مباراة لكرة القدم، كُتبَ عليها: شهداء كاورباغي !
لم تنته فصول الحكاية حينها، فقد سقط شهيدٌ هناك في البصرة. سالت دماء عبد الرزاق، أستاذ الجامعة المعروف، غدراً بأيادٍ إحترفت القتلَ. كنتُ بعيداً عن مدينتي، لكنّ غضباً كالذي أشعله سبارتكوس قد أيقظ فتوّتي، و أنا أسمع بالتظاهرات التي اندلعت في البصرة حينذاك وراء حادثة الأغتيال!
*عصام الذي خرج ليُحضر مستلزمات عرسه لليوم التالي، كنتُ ملازماً له حتى آخر لحظات خروجه من بيتنا ! أبى الأنتظار، فغاب عنا للأبد!
*إلتفات و رعد و رشيد، الأخوة الثلاثة ومعهم زوج إختهم جبار، اعتقلوا وغابوا عنا للأبد،هناك في سفوح الجبال تسقط عميدة عذبي و يُقطع اصبعها من أجل خاتمٍ رسمت به رفقة حياتها، و تسرق قلادتها بأيدي ذات القتلة! هناك في تلك السفوح ينتصرُ*هيثم لقضيته ثم يغيب عنا!
ضحكات وابتسامات صديق طفولتي ومدرستي*يونس تذبحها مرارة الأيام وضحكات المجرمين. أسأل عنك يا يونس حتى اليوم، حتى اليوم تسأل عنك دروب القشلة وذلك البيت الفقير وتلك الرَحلة الدراسية التي جمعتنا!
غيابٌ يأخذهم بعيداً عنا في تفاصيل تطرز بها الحياة بطولاتهم، و حضورٌ يوحدّهم في ذكرى الرابع عشر من شباط من كل عام، ذكرى يوم الشهيد الشيوعي.
صرخةُ ووجع سبارتكوس وتلك الجدائل ونحيبُ اُمي وقلادة عميدة وصمود سلام عادل وتلك الأقدام التي خلفت وراءها بصمة للأيام والتأريخ في سفوح كردستان وأهوار الجنوب وحتى إغفاءة عيون*سعدون لم تزل كلها توقظني.
لم أزل أتلمس الحروف التي كتبها الشهيد كامل شياع رغم غيابه عن المشهد.
همسَ لي أحدهم (چا نسينــه ستار*؟)
لم تزل غنوة الشهداء تقض مضاجع أعدائهم !
*(( بوسط روحي .. حضنتك طيف تطرب وحشة الفركــه ))
عبد الجبار السعودي
* المقدمة الشعرية من مقطع لقصيدة للشاعر المصري أمل دنقل تحت عنوان:كلمات سبارتكوس الأخيرة.
* سبارتكوس .. قائد ثورة العبيد ضد الأمبراطورية الرومانية.
*(خالي) المحامي و المناضل الشيوعي الراحل طالب بدر جابر.
*(الزعيم) الشهيد والقائد الوطني عبد الكريم قاسم.
*(كاورباغي) أحد أحياء مدينة كركوك وقد شهدت نضالات جماهيرية كبيرة منها إضراب عمالي سلمي إبان العهد الملكي وسقط عدد من الضحايا الشهداء برصاص الشرطة و جرح آخرون.
*(هاوري) صديقٌ حميمٌ لي خلال سنوات دراستي في المرحلة المتوسطة و الثانوية في كركوك.
* عبد الرزاق، الشهيد عبد الرزاق مسلم الماجد .
*(ستار) الشهيد ستار خضير الذي اُغتيل على أيدي جلاوزة البعث عام 1969 في بغداد.
*(عصام) الشهيد عصام حسناوي كسار الذي أختفى بعد أن خرج الى أسواق العشار في البصرة ليُحضر مستلزمات المهر لعرسه في اليوم التالي (الأحد).
*الشهيدة عميدة حالوب عذبي الخميسي) الشيوعية البطلة التي سقطت صريعة في قتالها ضد سلطات النظام البعثي الدكتاتوري.
*(الشهداء إلتفات ثجيل وأخوته رعد و رشيد) إخوة ثلاثة أعتقلوا مرة واحدة وكشفت الوثائق لاحقاً أنهم قد أعدموا مع زوج شقيقتهم جبار نعيم على أيدي السلطات البعثية المجرمة عام 1983.
*(الشهيد هيثم ناصر الحيدر) استشهد في كردستان العراق خلال كفاحه ضمن فصائل الأنصار ضد سلطات النظام البعثي الدكتاتوري.
* يونس .. الشهيد (يونس شغيّت) صديق طفولتي في محلة القشلة في العشار و زميل المرحلة الأبتدائية في مدرسة المربد الأبتدائية و متوسطة المربد .
* (سعدون) الشهيد وضاح عبد الأمير الذي اُغتيل عام 2004 هو ورفيقاه نوزاد وحسيب، ولم يزل القتلة طليقي السراح.
*(ستار) الشهيد ستار خضير الذي اُغتيل على أيدي جلاوزة البعث عام 1969 في بغداد.