المنبرالحر

"الشيوعية أقوى من الموت وأعلى من أعواد المشانق " / عماد حميد شلتاغ

ننحني تخليداً لكل من سقى تربة الوطن بدمائه الزكية، لمن شق بروحه حلكة الظلام لينطلق فجر الحرية، فكلما زمجرت عواصف القمع في العراق الذي عشقناه واسكناه المقلتين.... يكون الشيوعيون اهلا للتصدي ويعمدون الفجر بدمائهم.. يحملون المحبة والامل للبيوت الفقيرة ويفتحون النوافذ للنور
ما اروع ما منحنا ابو مجيد، خلقا ورقة وافكارا، تعمقت محبتنا بفكره الذي دفع حياته من اجله نتذكر هذا الانسان الفذ، ويمتلكنا الاسى والحزن، هذا هو حميد شلتاغ الذي ولد في مدينة العمارة عام 1924 وانتقل الى مدينة بغداد ليلتحق بالقوة الجوية ليكمل دراسته الجامعية في كلية التجارة المسائية، منذ تعرفه على الحزب الشيوعي منذ عام 1949، تعرض الى الكثير من المواجهات مع اعداء الوطن، ومنذ كان شاباً في بداية الخمسينيات من القرن الماضي ومنذ ومضات الوعي الاول، ايام ما كان طالباً في الثانوية في العمارة، احد المعاقل الثورية للطبقة العاملة متسلحا بقلق الناس الذين احبهم وظل متعلقاً بهم وبآمالهم ومستقبلهم حتى النهاية، لقد ترك هذا الرجل بصمته النضالية في صميم واقعنا الثقافي والاجتماعي، فقد كان مناضلا حقيقياً مواكبا لكل المتغيرات التي عاشها المجتمع العراقي، اعلن وبكل جرأة انحيازه الكامل لقضايا الناس العاديين، ودفاعه عنهم، ووضع فكره وجسده منذ تلك اللحظة، في قلب المعركة، من أجل بناء وطن سعيد للجميع، وقد اضمر له اعداء الشعب، حقداً مميزاً، فاعتقلوه عام 1963 اثناء اجتماع اللجنة الحزبية التي كان يقودها والتي كانت تنظم عمال البرق والبريد في بغداد، وظل معتقلا ورفاقه حتى عام 1967 حيث حكم عليه خمس سنوات ولم ينج وهو في السجن من حقد الفاشيين فاخضعوا جسده النحيل لكل ما هو جديد في فنون تعذيبهم الوحشي، وتنقل من سجن الى اخر، يحمل جراح جسده، وقد نجح رغم كل الصعوبات والمشكلات التي واجهته في غرس قيم انسانية متميزة سواء في السجون العراقية او في مجال عمله السياسي كواحد من كوادر الحزب الشيوعي العراقي، ان اهتمام الراحل حميد شلتاغ بهموم الوطن الذي كان يركع تحت هيمنة ليل الفاشية الاسود زاده اصراراً على استمرارية المسيرة النضالية من منطلق الحرص على مواصلة البناء لسواعد النضال الدائم، وهو السبب الذي رفض من خلاله مغادرة العراق بعد اشتداد الحملة الفاشية قائلاً" لم يتبق من العمر الا سنوات قليلة، فدعونا نموت داخل الوطن وفي احضان الحزب" رغم تعرضه للاعتقال عدة مرات، معتبراً العمل النضالي على الساحة العراقية هو الخيار الوحيد امام الشعب، الذي يسعى للتخلص من الحكم الديكتاتوري الفاشي، وبناء مشروعه الحضاري الانساني، وتنمية مقدراته وامكانياته لتحقيق ما تصبو اليه كل فئات وطوائف واحزاب المجتمع العراقي لبناء الديمقراطية الحقيقية.
حميد شلتاغ، هذا الاسم المعروف على نطاق واسع عند الشيوعيين العراقيين والسجناء السياسيين، يتميز بالعطاء والنبل الانساني المتميز والوفاء والامانة، ويجب ان نحرص جميعاً بالوفاء لتلك الحياة التي لا زالت مستمرة فينا، ولما قدمه هذا الرجل الراحل الذي اتسمت ايامه بعطاء دافق من التقاه، سخاء ووفاء صادق، عطاء المقتدر، ووفاء المتعلم القادر، انت من الذين ناضلوا من اجل حضورنا الدائم ستظل تسكن والى الأبد في ذاكرتنا وعقولنا وقلوبنا.
اما الوالدة هذه المناضلة الابية (ام ماجد) فكانت تؤمن بأن الكفاح ضد الفاشية يعتمد بدرجة كبيرة على تحدي الارهاب واساليب النظام في عمليات القمع، وقد وصل هذا التحدي النبيل، الى فضح الممارسات اللااخلاقية ضد المرأة واضطهادها وعدم تحررها والذي كان الفاشيست يطلقون نظرياتهم بقصورها العقلي وضعفها الجسماني. كانت شهيدة الشعب ام ماجد، تقول على الدوام بان تحرر المرأة الكامل لا يتم الا في اطار تحرير الطبقة العاملة المؤلفة من الرجال والنساء، وهذا التحرر لن يتم ما لن تبن مجتمعا لا طبقيا تصبح فيه وسائل الانتاج ملكا للجميع، وكانت ام ماجد تعمل بلا كلل او ملل في صفوف رابطة المرأة العراقية، في حملات توعية المرأة وتعبئتها للنضال ضد الظروف والاوضاع وفضح سياسات النظام تجاه المرأة وتعزيز مساهمتها في النضال من اجل اسقاط الفاشيست، وهي في كل هذا اثبتت دورها ووعيها المتزايد وساهمت مساهمة فعالة في اعمال التحدي لاجراءات السلطة الدموية. لقد حولت المقاومة ومن داخل بيتها المتواضع، الى حركة جماهيرية عجر الفاشيست الوقوف بوجهها لسنوات طويلة، واثبتت بانها اهل للقيام بالمهمات الجبارة من خلال اصرارها وعنادها البطولي. وكانت كتلة طيب لا تعرف التوقف لقد ساهمت هذه المناضلة القديرة، جنبا الى جنب العديد من نساء العراق بدورها في تنظيم عمليات الاحتجاج في انحاء كثيرة من الوطن مبرهنة بان قوة المرأة تكمن في تنظيم وتعبئة جهودهن وطاقاتهن الكفاحية ضد كل اشكال الارهاب والقمع السياسي والمأسي التي خلفتها حروب النظام الفاشي.
كانت هذه المناضلة تؤمن بان النساء العراقيات قادرات بوحدتهن الكفاحية، وبنضالهن المنظم والهادف على اداء دور كبير وهام في عملية الحسم الثوري للمعارك الدائرة بين الشعب وقواه الوطنية من جهة وبين النظام الفاشي والقوى التي يستند اليها من جهة اخرى. نتذكرها هذا اليوم وقلوبنا مثقلة بالحزن لفقدان واحدة من اغز الامهات. بتاريخ 14/ 8/ 1980 اعتقل والدي حميد شلتاغ من قبل الاجهزة الامنية، من البيت وكان الوقت صباحاً، (مع والدتي بدرية داخل علاوي وأولاد خالتي: الشابة انتصار خضير موحي وأشقائها، احدهم كان عمره اربع عشرة سنة، حينها كانوا في زيارة لخالتهم، وزوج خالتي، وابن عم نبيل علوان شلتاغ كان طالباً جامعياً، بتهمة الانتماء الى الحزب الشيوعي العراقي.
يوم 17/ 1/ 1981 ألقت مفارز الامن القبض على شقيقي كريم وكان طالبا جامعياً لم يتجاوز العشرين من عمره، اعدم مع خطيبته انتصار خضير موحي التي اعتقلت قبله بأشهر، مكث في السجن عدة أشهر، ثم أعدم في العام التالي. لقد تم العثور على وثائق!!! تثبت وبأسمائهم. بأحالة الشهيد البطل حميد شلتاغ وزوجته وأبنه البطل كريم سنة 1983 الى محكمة الثورية سيئة الصيت آنذاك. لتنفذ بهم حكم الاعدام. الصادر بحقهم وبتوقيع ألمجرم المقبور صدام حسين. وبتنفيذ عواد البندر. رئيس محكمة الثورة.
تحية اكبار واجلال للراحلة الشهيدة (ام ماجد) التي صمدت في زنزانات وسجون الفاشيست وقدمت روحها وهي تناضل بكل صلابة في ظروف العمل السري ضد الفاشية، ستظلين يا (ام ماجد) العظيمة خالدة ابد الدهر في قلب كل من احبك.

كتب احد رفاق ابي في السجن:

لن ابكي على رجل فوق العلى مكانه
أفدى بنفسه ويأبي ان يعيش ذليلا.
لن أبكي على نجم أنار ضياؤه دهرا
واسرع للمغيب أفولا.
قضيتُ في ظلم السجون وظلمها
فأضأت في ظلماتها قنديلا.
يا شهيدُ كنت ورضيت لنا رمزاً
ستبقى روحك للطريق دليلا.
نم يا ابا خالد فأنت مخلد
ما كان ذكراك آتى ليزولا.