المنبرالحر

8 شباط.. وجه الموت المتكرر / ميس وليد

مازال القتل يحصد الالاف من النفوس، والمطحنة البشرية تتواصل اسفاً بعناد. منذ قابيل وهابيل، والارض صرخت لدم هابيل، وحتى اليوم. فكيف بكل الدماء التي اغرقت الارض وسقتها؟ لماذا، وماذا بعد؟
صادفتْ قبل ايام ذكرى انقلاب 8 شباط، وانا اقرأ ما ينشر في الصحف عما حصل من رعب ومآسي وموت في ذاك التاريخ المشؤوم عند الكثير الكثير من الناس، حتى اولئك الذين لم يصل الموت لرقابهم لكن تكفي رائحته التي كانت تحيطهم. لم يكن لهم ذنب سوى الدفاع عن حقهم في وطنهم ليكون حرا ومباركا وكريما. لحظة غدر، والكل سقط، واحترق الاخضر واليابس، ولليوم الثمن يدفع غاليا.
اسكنُ للحظة من الزمن لأتحسس منسوب الدم الذي يغرق ارجلنا منذ هابيل. ما هذا الانسان الذي يستطيع ان يقتل اخيه الانسان لاي سبب او مسبب؟ لا شيء يعطيه الحق في ذلك ابدا. لكن السيد الموت واقف يطلبهم ببشاعة، مفتخرا بمساعديه.
ليس القتل فقط وانما مقدار العذاب بالتعذيب، وانا اقرأ القصص والحوادث، وفي مخيلتي كل الصور، اسمع صراخهم موجوعين. واصرارهم رغم الدم المراق على شعار «الوطن الحر والشعب السعيد». وتأخذني غيبوبة التفكير، تفجعني الحقيقة: لم كل هذا؟ وماذا بعد كل هذا؟ ماذا يريد الانسان؟.
تقص امي عليّ عن تلك الايام، كيف كانت سوداء مصفرة بلا حياة. والوجوه بلا ملامح من هول ما حصل وهول ما يحصل. وانا ارى اصفرار لونها وبحة صوتها وألم يتعصر القلب من الاعماق، كأن الكلمات لا تكفي. انها حقا لا تكفي.
ولليوم، 8 شباط هو كل يوم، بوجه آخر، بملامح اخرى، فما زال الانسان يموت قتلا على يد اخيه الانسان. وما زالت رائحة الخوف نشمها في كل مكان. ومازالت الام ترتعب كلما خرج اولادها، وتنتظرهم بملء الرجاء في رجوعهم.
لطالما كرهت قبح تجار السياسة في حياتي، ها انا اكتب ويدي ترتجف وقلبي يعتصره الالم ودمعتي تقف في طرف عيني لبشاعة وقبح كل ما فعله الانسان باخيه الانسان.
لحظة صمت... فقد كرهت الاصوات البشرية الشريرة
لحظة صمت... افيقوا من هول البشاعة التي نعيشها
لحظة صمت... كونوا مستحقين للقب انسان ... ارجوكم
لحظة صمت... كفى ثرثرة لا نفع منها
لحظة صمت... احبوا بعضكم بعضاً.. لتعرفوا معنى الوطن
ويبقى الامل... ان يتوقف نزيف الدم ذات يوم. ولا بد ان يتوقف يوما ما... نعم، كلي أمل.