المنبرالحر

سياسة حكومة إقليم كوردستان وخصائص السياسة الأمريكية/ د. سامان سوراني

للسياسة الأمريكية خصائص تستند إلى نظريات تشتق من الواقع الجيو-استراتيجي والمصالح الحيوية في أقليم أو منطقة جغرافية ما. ومن أهم هذه الخصائص أنها تعتمد على الحلفاء الإقليميين والمحليين في تأمين مصالحها. وعندما يتحول حليف من حلفاءها إلى حالة مستعصية ، أو عندما يصبح عبئاً عليها سواء لأنه فقد دوره أو لأنه يتعرض لخطر الإسقاط ، فأنها تغدر به و تتخلی عنه بسرعة البرق لصالح البديل الجديد والقوي.
وفيما يخص حكومة إقليم كوردستان ، فإنها تمثل الشعب الكوردستاني وهي منتخبة من قبلها ، لذلك فهي لاتملك المغامرة بمستقبلها السياسي بتفاهمات خاصة مع الولايات المتحدة بعيداً عن مصالح الشعب الكوردستاني وبعيداً عن الشفافية وهذا ما يوجه صانع القرار الأمريكي إلى تغيير فلسفة التعامل والتفاوض مع القيادة الكوردستانية لتكون تفاهمات بين شعوب وليس بين حكام. فنشر الديمقراطية يجب أن يتم عبر الدبلوماسية ، مثل تنظيم شراكات مٶيدة للديمقراطية ، وعبر دبلوماسية الرأي العام.
في إقليم كوردستان نری بأن الطلب علی الديمقراطية و الإصلاح هو طلب داخلي ، لأن الشعب يری بأن العالم المليء بالديمقراطية هو عالم الأكثر إحتمالاً ليكون عالم إزدهار إقتصادي و سلام من عالم مليء بالديكتاتوريات.
أما العمل علی نشر الديمقراطية فهو عمل طويل الأمد ويعتمد علی الفرص ويتعين علیه أن ينتظر النضج التدريجي لتكون الظروف السياسية والاقتصادية مٶثرة.
والعمل من أجل إنجاح التجارب المستقبلية وولادة الإنسجام المصيري بين حكومة الإقليم والمجتمع الكوردستاني يحتاج الی التضامن والتكتل لرسم خريطة إتحادية معاصرة وصناعة إرادة كوردستانية قادرة علی إعادة الهیكلة السياسية.
المجتمع الكوردستاني أنتابه في السابق تیارات الإنقسام والصراعات المحلية والخلافات الجهوية والعشائرية ، التي كانت عوامل أساسية في فتح ثغرات خطيرة ، ينفُذ من خلالها العدو الرافض لحقوق الكورد المسلوبة. والتحرك الرسمي من أجل التغيير نحو المستقبل، ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار مسألة الوعي بذلك التغيير، ومحاولة زرعه ، والعناية به عناية مطلقة، كي يصل هذا المجتمع إلى حالة الإدراك المتبادل بين مصاعب الحاضر ومشكلات المستقبل.

من الواضح بأن أمريكا غير قادرة على منع حركة التاريخ باتجاه التغيير في المنطقة ، ما يدفعها إلى التفكير ببرنامج التعايش والتعاون بدل الصدام مع الحكومات الجديدة وقواها السياسية. ودبلوماسية التغيير و التحول الديمقراطي جاءت في مقدمة سياسات البيت الأبيض، على الأقل على مستوى الأقوال. بالرغم من أن الكورد عانوا الظلم و الإستبداد والإقصاء علی أيدي الذين موطنهم و ساندوا الغير ليحکمونهم إحتلالاً ، و بالرغم من أن الكورد هم المجموعة العرقية الأعظم عدداً بغير دولة مستقلة معترفة بها دولياً تجمعهم ، فأن القيادة الكوردستانية تسعی ببرنامجها السياسي السلمي جاهداً لتثبت للمنطقة والعالم بأن خطواتها تتسم بالحكمة تنیر درب الديمقراطية علی أرضها.
الشعب الكوردستاني يتمتع بفضل هذه السياسة بأعلى مستويات المعيشة وإقليم كوردستان يتمتع بأفضل معدلات الاستثمار الأجنبي والاستقرار الأمني في العراق والمنطقة.
لقد تمكنت حكومة إقليم كوردستان رغم التجربة الغير طويلة في إدارة الحكم استخدام اسلوب القوة الناعمة في التعامل مع جميع الاطراف وتجنب التصعيد والمواجهات و إستطاعت رغم التحديات الجسيمة اضفاء الطابع الديمقراطي على الحكم من خلال تأسيس عقد اجتماعي جديد بينها وبین المجتمع لتكون فيه المواطنة محور الرابطة بين الإقليم ومواطنيها ، إستناداً علی احترام حقوق الانسان ، واقرار التعددية السياسية والفكرية ومبدأ الفصل بين السلطات ، والسماح لمختلف القوى والتكوينات الاجتماعية من التعبير عن مصالحها وايصال مطالبها عبر القنوات الشرعية ، وضمان مشاركتها في مؤسسات الأقليم وهياكلها بصورة فعالة ، وافساح المجال امام نمو المجتمع المدني وتوفير متطلبات المشاركة السياسية ، واحترام استقلال السلطة القضائية و إقرار التداول السلمي للسلطة بحسب الارادة الشعبية.
وما المحاولات الماراثونية من قبل الأحزاب السياسية الرئیسیة الفائزة في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة لتشكيل حكومة ذات قاعدة موسعة تضم جميع القوى ليكون بمقدروها تقديم خدمات افضل وتعكس ارادة جميع مكونات الشعب ، بالإضافة الی اتخاذ القرارات الوطنية المصيرية و الحفاظ علی المصلحة الوطنية والنسيج السياسي والاجتماعي للمجتمع عن طريق حوار بناء ومثمر إلا دلیل علی مانقول.
وختاماً: "إن هویتنا ليست مانتذكرە ونحافظ علیه أو ندافع عنه. إنها بالأحری ما ننجزه و نحسن أداءه ، أي ما نصنعه بأنفسنا وبالعالم ، من خلال علاقاتنا ومبادلاتنا مع الغير."