المنبرالحر

في ذكرى يوم الشهيد الشيوعي.. شهداء الحزب منارات هدى للناس والوطن/ جواد وادي

مثلما للنضال والكفاح ومقارعة الظلم مبادؤئه، للشهادة أيضا معانيها السامية التي هي التتويج الحقيقي لكل المناضلين الذين نذروا حياتهم للقيم الخالدة، إيمانا منهم بأن الخلود من أجل القناعات والثبات عليها والتفاني من أجلها، لهو أسمى المعاني الانسانية التي لا يعرف قيمتها الحقيقية ذوو العقول الحسيرة، ممن أصبحوا أدوات لمصادرة الحياة دونما رحمة أو وخزة ضمير.
إن الشهادة هي المسار الحقيقي الذي يخطه الشهداء للناذرين حياتهم مشاريع تضحيات من أجل الوطن والناس، ولا أظن أن فصيلا سياسيا عراقيا قدم نماذج خالدة في التضحيات كما الشيوعيون العراقيون إبان أحلك الظروف وأقساها، صحيح أن بقية الفصائل العراقية تعرضت لذات حروب الإبادة على يد الفاشست وقدمت القرابين تلو القرابين من أجل طريق الخلاص من الطغاة والموغلين في القتل بسادية ما لها مثيل، إنما الشيوعيون العراقيون قد يختلفون عن بقية شهداء العراق الخالدين، وقد يماثلونهم من حيث قوة الشكيمة، كونهم كانوا يستشهدون تحت أبشع وسائل التعذيب وأشرسها. وهم يموتون واقفين مثلما نخل العراق السامق، الأمر الذي كان يذهل الجلادين.
نعرف أن النظام البعثي المجرم حيث كان يتفنن في وسائل التعذيب لإنتزاع الاعترافات وبوسائل قمع ما عرف لها تأريخ التعذيب مثيلا، وصحيح أن للجسد قدرة احتمال قد تكون محدودة أحيانا، وبالتالي تحدث الإنهيارات ويحصل الجلادون على ما يريدونه من اعترافات تحرق الأخضر واليابس، لكن الشيوعيين، كانوا يعرفون أنهم في كل الأحوال مستشهدون، إن عاجلا أم آجلا، وبالتالي سيخسرون خيانة القيم مثلما خيانة الأمانة، وهي الأقدس والأسمى، ولهذا كانوا يستميتون في الصلابة وقوة الإرادة ولا يخونون الأمانة الغالية، لأنها ثقة لا تقدر بخزائن الأرض، وضعها فيهم رفاق يعرفون أن أؤلئك القادة أهلا لصيانة الأسرار وزرع الأمانة تحت جلودهم، فكيف ينتزعها الفاشست؟
إن الأساليب الوحشية التي التي تعرض لها قادة الحزب الشيوعي الخالدين، أمثال الشهداء الميامين، سلام عادل وابو العيس والعبلي وعبد الجبار وهبي والحيدري والعشرات، بل والمئات، كانت من القسوة والبشاعة، ومع ذلك بقي الصمود لصيقا لهم، والثبات على المبادئ بصيغه الانسانية النبيلة صورا لها من المعاني ما ينبغي علينا جميعا أن نقف إجلال وإكبارا لها، لأنها لم تكن بمعانيها القريبة والعابرة، بل كانت دروسا بليغة في الوفاء والقناعات الراسخة، حتى أنهم كانوا وهم تحت التعذيب المخيف، يتصالحون مع أجسادهم لتكون طيعة مع قناعاتهم، يفقدون وهم تحت سياط الجلادين حتى الاحساس بالألم، رغم بشاعته وفضاعته، هكذا كانوا يعلموننا الرفاق ونحن لا زلنا يافعين عمرا وتجارب سياسية، بأن على الشيوعي إذا ما تعرض لهكذا مواقف، أن يحتمل قسوة السياط للوهلة الأولى، ومن ثم لا يشعر بلفحتها مهما كانت شديدة، ويتذكر الرفاق هذه الوصايا حينذاك، وكأن الشيوعي منذور لهكذا طقوس بربرية ، أليست تلك أقدس المواقف وأنبل القيم؟ لماذا كل هذا العذاب وتلك المحن وسواهم من الناس ينعمون بترف الحياة وبذخها؟
لم تكن قوافل الشهداء تضحي بنفسها من أجل البحث عن الجاه أو السلطة أو مغريات الحياة، وهذه كان من السهولة الحصول عليها بمجرد ما يكون المرء مستعدا لبيع الضمير وانعدام الذمم وعدم التفكير بما يجري للآخرين من ظلم، إنما الشيوعيون قد نذروا أرواحهم من أجل زرع الأمل في المحرومين وتأسيس قيم وطنية من المستحيل على القتلة والمصفقين لهم فهم معانيها السامية.
لا ينبغي أن تمر هذه المحطات الفاصلة في تاريخ العراق الحديث دون الوقوف عندها طويلا وتأمّل دروسها وعبرها والأخذ منها، كي لا تتكرر المآسي، وانصافا لتلك الكوكبة الخالدة التي وللأسف الشديد نرى أن الناس لا توفيها ما تستحق من الذكر والترحم والإنصاف، ليظل الشيوعيون وحدهم وأصدقاؤهم هم المعنيون باستذكارها وتخليدها، أليس العراقيون قاطبة وبكل مشاربهم وأطيافهم معنيون بهذه الذكرى الحزينة والمشعة في آن، برجالاتها ونسائها الأباة؟
ما السبب حين يصرخ الخالد فهد بعلو صوته المدوي بوجه الجلادين والحبل موضوع على عنقه، وبالامكان أن لا يعدم، لكنه يعرف المساومات التي تؤدي بصاحبها الآ الذل والهوان، ليعلن وبكل أباء أن (الشيوعية أقوى من الموت وأعلى من أعواد المشانق) وكذلك فعل رفاقه الخالدون وعلى أمتداد حقب الموت اليومي على أيادي مجرمي البعث وجلاديه؟
ألا تذكّرنا هذه المواقف النبيلة والرائعة بما قاله سيد الشهداء الحسين (ع) وهو يواجه الموت المحقق ويعرف أنه لا محالة هالك وآل بيته وصحبه، بقولته الشهيرة الخالدة (هيهات منا الذلة)
هكذا هم الأحرار الحقيقيون بمواقفهم واستماتتهم من أجل القيم النبيلة، من أجل إنارة الطريق لنا، يتوحدون دائما في الإباء والشموخ، لنكون أكثر اصرارا وأشد عزيمة لرفض كل أنواع التدجين والمهادنة وبيع النفس البشرية والتي هي أثمن ما في الوجود؟
فتحية إكبار واجلال وتقدير لكوكبة الحزب الخالدين وكل من عمّد بدمائه الزكية طريق الخلاص من أجل غد رغيد ومستقبل زاهر.
ولنهتدي جميعا شيوعيون وغيرهم، بشعارنا الخالد رغم كل عوادي الزمن ومحنه، ونغني معا حاملين مشاعل الحرية وفي قلوبنا صور كل شهداء الحزب الخالدين:
سنمضي سنمضي إلى ما نريد......... وطن حر وشعب سعيد