المنبرالحر

هل ينهار تحالف الولايات المتحدة الامريكية مع تنظيم الاخوان المسلمين ؟/ زهير كاظم عبود

بعد ان تبنت عملية تأسيس منظمة القاعدة لمواجهة المد الشيوعي والديمقراطي في افغانستان والمنطقة ، عمدت الولايات المتحدة الامريكية الى دعم وتوسيع عمل التنظيم في افغانستان وداخل المنطقة العربية في اول الامر ، فكان لها عونا في تهديد الاستقرار وتسميم مسار الحياة في عدد من البلدان العربية والمجاورة ، وتمكن التنظيم من التمدد خارج الساحة الافغانية ، وتمكن ايضا من ان يجد له مصادر تمويل داعمة في المنطقة وبشكل مستمر كانت من اسباب قوة التنظيم وتنوع عملياته الارهابية .
ولكون الهدف المعني في انهاء الوجود الشيوعي في افغانستان قد تحقق ، فكان يفترض ان تعود التنظيمات المسلحة الى قواعدها، إلا انها تمردت على واقع تشكيلها بالنظر للثقافة المتطرفة والأفكار المتشبعة بالفكر الديني المتعصب التي كان يعمل التنظيم على اشاعتها ثقافيا ودينيا ويشحن بها عقول عناصرها، وظهر هذا التمرد عمليا في عمليات مسلحة ضد بعض الانظمة ومنها الصديقة والحليفة للولايات المتحدة الامريكية .
وكان لابد من تحجيم دور تنظيم القاعدة في ظل تلك الظروف ، وصعدت الولايات المتحدة من مواقفها ضد التنظيم بعد عملية 11سبتمبر 2003 في امريكا نفسها ، وبعد ان لم تعد الولايات المتحدة تتحكم بشكل مباشر في قيادات القاعدة ، وافلت من يدها بعد أن تأكدت انها لن تستطيع توجيهها ، مع انها تمكنت بشكل مباشر او غير مباشر من دفعها الى مناطق معينة كانت الولايات المتحدة تريد وجود التنظيم الارهابي بها كالعراق وسوريا واليمن والجزائر وليبيا على سبيل المثال لا الحصر .
ومع كل تلك الظروف التي تحيط بتنظيم القاعدة وعمله في هذه المناطق، كانت هناك نقاط عديدة مكشوفة لم تستطع المخابرات الامريكية من سد ثغراتها، لعل من بين اكثرها هو التركيز على تواجد عناصر القاعدة في مناطق محددة دون غيرها، وكأن عمل القاعدة وتحقيق اهدافها يكمن في مناطق تلك البلدان فقط دون غيرها ، بالإضافة الى إغماض العيون عن دعم بعض الحكام المكشوف لتنظيم القاعدة ، وعدم استخدام التقنيات الحديثة في محاربتها او كشف خلاياها الفاعلة .
ومع ان الولايات المتحدة الامريكية تمكنت من حصر كل عناصر التنظيم الارهابي في ساحات معينة، ونجحت في جعل هذه المناطق مراكز لتجمع عناصر القاعدة من العرب الافغان والعناصر المتطرفة وأعداد البهائم المفخخة، والحرص على القيام بعمليات وتواجد ضمن هذه المناطق، مع ديمومة مصادر التمويل والدعم المعنوي في الفتاوى التي تصدرها مجموعة من رجال دين ومنظرين مساندين لعمل التنظيم .
غير ان الولايات المتحدة الامريكية غيرت مسار المساندة في المنطقة بعد ان ثبت لها فشل قبول القاعدة في بلدان المنطقة، وانكشاف سوءتها وفكرها المرفوض شعبيا ، وبعد ان تمت المواجهات العسكرية ليس فقط بين جيوش تلك البلدان والقاعدة ، انما تمت المواجهة بين الناس انفسهم مع تنظيم القاعدة الارهابي، والذي بات معزولا ومنبوذا فكريا وسياسيا وإنسانيا، من خلال تنوع العمليات الاجرامية البشعة التي يمارسها ضد حياة الناس وأمنهم وأموالهم لبث الرعب والجزع وتسميم حياتهم .
ضمن هذا الاطار قدمت مراكز البحوث الامريكية دراساتها الى الادارة الامريكية بضرورة ايجاد بديل يعتمد الدين، ويمكن ان يكون بديلا يتم الاعتماد عليه في المنطقة ، وان تنظيم الأخوان المسلمين وبما لهم من علاقات وقنوات اتصال سابقة ومتعددة بينهما، ولاعتماده على وسائل العنف والاغتيالات، يمكن ان يكون البديل لو تلقى الدعم والمساندة من الادارة الامريكية .
وجدت الولايات المتحدة الامريكية في تنظيم الاخوان المسلمين حليفا بديلا في المنطقة، باعتباره تنظيما سياسيا يتخذ من الدين برقعا وستارا وقاعدة يقوم عليها لتحقيق اهدافه، كما انه من التنظيمات شبه المسلحة، ويشكل تنظيما سياسيا في معظم تلك البلدان، بالإضافة الى وجود صلات وعلاقة مستمرة وممتدة بينه وبين الولايات المتحدة الامريكية لاينكرها احد.
ولهذا وجدت الولايات المتحدة الامريكية في مساندة تنظيم الاخوان المسلمين بديلا عن مساندتها لتنظيم القاعدة، كما ان تنظيم الاخوان المسلمين يمكن له ان يصل الى سدة السلطة بوسائل القوة او الديمقراطية، وبهذا الاختيار نجحت التجربة في تونس باعتبار ان النظام التونسي كان هشا ويمكن كسره بسهولة، وتمكن تنظيم الاخوان في تونس من الهيمنة على مايسمى بالربيع العربي ليكون البادرة الاولى التي تدفع بالتنظيم للسيطرة على المنطقة بمباركة ومساندة من الولايات المتحدة الامريكية .
كان لابد من ايجاد بديل قوي وشرس ومتطرف يواجه معالم الحياة المدنية والديمقراطية ، ويقف حائلا دون تطورها وتقدمها، ويسلك سلوكا بدائيا في فرض العلاقات الاجتماعية بين شعوب تضم بين دفتها مكونات متعددة ومختلفة قوميا ودينيا وطائفيا، فتخلق بذلك هوة وسببا للتناحر والمواجهات الداخلية التي تريدها امريكا بوسائط بديلة عن تنظيم القاعدة، الذي اضحى تنظيما ارهابيا وفق النظرة الأمريكية والدولية ، تم التفريط به وبقادته المتحصنين عن امريكا في جبال تورا بورا !! في حين انتحل التنظيم اسم دولة العراق الاسلامية في العراق والشام ( داعش ) في سوريا والعراق، لتحل معالم خطة متقنة تعمد امريكا على تنفيذها تكون فيها خارج اطار العمل الفعلي في تحديد ساحة مواجهة مسلحة وشائكة بين عناصر داخل البلد تتقاتل بشراسة فيما بينها تخوض حربا بديلا عنها بالوكالة، بانتظار تحقيق نتائج تخطط لها وتريدها تتزامن وتنسجم مع مصالح الولايات المتحدة الامريكية، ويمكن لها ايضا تفتيت تلك البلدان على اساس قومي او ديني او طائفي، كما انها تضمن كسر عزلة امريكا المتجذرة في عقل شعوب المنطقة ايضا .
ويمكن ان تكون مصر انموذجا للتحالف ألجديد بين الاخوان و امريكا، بعد ان فاز الاخوان في مصر وسيطرت حركة حماس جناح الاخوان العسكري على غزة الفلسطينية ، مما عزز من مساندة الولايات المتحدة لهذا الفصيل الذي نجح في تونس وامتد نجاحه الى ليبيا ويهيمن على السلطة في تركيا وقطر ليكون الركائز الأساسية لمخططها في الشرق الأوسط الذي شمل العراق وسورية والأردن واليمن ولبنان والخليج العربي والجزائر وتونس والمغرب والسودان.
الا ان تمكن القوات المسلحة في مصر من اسقاط حكم الاخوان وضع شرخا في المخطط ، وشكل موقفا كاشفا للعلاقة السرية بين تنظيم الاخوان والولايات المتحدة الامريكية ، بل اعاد الى الساحة الموقف الذي يهدد امن اسرائيل ويفتت تبعية تلك البلدان الى امريكا، بالرغم من التهديد الأمريكي بإيقاف المنح والمساعدات عن مصر إلا ان الامر لم ينجح بإعادة الاخوان للسلطة .
وكشف الموقف المصري عن بقاء تلك الشروخ والعزلة التي كانت ولم تزل تعيشها امريكا مع شعوب المنطقة .
وبرحيل نظام الاخوان عن مصر تكون صفحة اخرى قد كتبت في تاريخ العلاقات بين الاخوان وامريكا، تبع تلك المواقف فشل السياسة الأمريكية في تفتيت مصر وتقسيمها دينيا، مثلما بدأ يفشل في العراق وسوريا، وبدأت تظهر بوادره في المواقف الشعبية في تونس والجزائر والسودان واليمن ، وجعلت تلك المواقف الخسارات المتلاحقة ليس لحكم الأخوان انما ينسحب على كل حكم يتخذ من الدين ايا كانت تسميته وشكله قاعدة او شعارا له في السلطة ، ومن يتابع الحركات المتمردة الشعبية في ليبيا واليمن وتونس والسودان يدرك مقدار فداحة الخسارة التي يتحملها الاخوان وتتقاسمها الولايات المتحدة الامريكية معه ، وستدرك الولايات المتحدة الأمريكية ان حليفها او حلفاءها الذين يستندون على شعارات الدين للوصول الى السلطة انما يقفون على بحر من الرمال لايمكنهم من الاستقرار ولا الثبات ، مما سيجعل من تحالفاتهم مفككة وهزيلة ومؤقتة، وهي وأن تلحق الضرر الجسيم بهذه الشعوب وبالمنطقة عموما الا انها لن تتماسك ولن تستطيع الثبات .
ان قراءة بسيطة للمستقبل تشير الى ان الممارسة الديمقراطية هي الحل، وان شعوب تلك المنطقة ستقرر مصيرها بيدها بعد تجربة سياسية عميقة اكتسبتها عبر فترة زمنية ليست بالقصيرة، وان بعد كل هذا المخاض سينتصر الأنسان وحريته وحقه في الحياة والأمن والفكر والعقيدة .