المنبرالحر

بغداد.. تايتانك الثقافة / ئاشتي

تمسحُ كفك بالجدار دلالة إعلانك الإفلاس، حيث لا تنفع مع إفلاسك هذا كل مهدئات الأمل والتفاؤل والأمنيات، ولم يبق في روحك غير الصبر وخيط رفيع من ضوء، ربما سوف تخنقه قريبا حوافر خيول جيوش الظلام، مادامت سفينة الثقافة في عاصمة الثقافة قد أكلت أخشابها جرذان الفساد. فلم تنفع معها قوارب النجاة لإنقاذ المتبقي من كنز الثقافة العراقية، ولم تنفع لإنقاذها كل طلقات النجدة ما دام الظلام يخنق بحقد كل شعاع ضوء. ربابنة السفينة عازمون على إغراقها لأنها تشكل مصدر قلق دائم لهم. ربابنة السفينة لا تستطيع عيونهم أن تبصر نور الثقافة لهذا تراهم يسعون إلى تحطيم كل ما تبقى منها. الثقافة تعني كشف حقيقتهم مثلما تعني رسم عوالم من الفرح في عيون الناس. الثقافة تعني الشمس والصباحات الجميلة مثلما تعني الرقي والحضارة. الثقافة تعني تجاوز البداوة بكل اشكالها مثلما تعني فهم التطور الإنساني. الثقافة تعني بناء الإنسان وفق المعايير الإنسانية الصادقة مثلما تعني اكتشاف واختراع الأجمل لخدمة الإنسان. فما لهم وهذه المعاني؟ لهذا جعلوا من بغداد تايتانك الثقافة الغارقة، لأن الثقافة تحمل في روحها عنصر موتهم وخذلانهم وانهزامهم. أمس قرأتْ دجلة ُأخر قصائدها وهي ?ودع سفينة ثقافتها التي انحدرت نحو القاع، وفي الحقيقة هي قرأتْ مأساتها ومأساة بغداد التي أمست تايتانك الثقافة وليس عاصمة الثقافة.
تمسح كفك بالجدار دلالة إعلانك الإفلاس، وتمسح دموعك بباطن كفك وأنت تراهم يجعلون من الجواهري العظيم هذا الذي قال «أنا حتفهم ألج البيوت عليهم / أغري الوليد بشتمهم والحاجبا» موزع قهوة في شارع الثقافة. حسنا أيها الأميون اسرقوا ما تشاؤون ولكن لا تسيئوا إلى رموز شعبنا الثقافية. حتى أطفال بلادنا يعرفون أن المبلغ المخصص لبغداد عاصمة الثقافة كان 500 مليون دولار، ولكنهم لم يروا صرحاً ثقافياً جديداً واحداً قد شُيد. أسرقوا ما تشاؤون ولكن اتقوا العراق وشعبه بسفينة ثقافته. فقد أغرقتموها بمياه دجلة وليس هناك من يحاسبكم سوى التاريخ، والتاريخ لا يرحم.
تمسح كفك بالجدار وأنت تعرف أن زمردة الثقافة هي في ضمائر أبنائها النجباء، لا ولم يرموها مع تايتانك في مياه دجلة، وهم مثل المتنبي يرددون بصوت أدو نيس
(إبلي تَضرب ُ التِّيه من أولِ
إبلي غابةٌ من رماح
إبلي تتآلفُ مع غيمة ٍ راحلةْ
وتقول ُ لليل العراق انتظرني في
فَيءِ شُباكها،
بعد أن تعبرَ القافلة)