المنبرالحر

من المسؤول عما يحدث في كوردستان العراق ؟؟/ زهير كاظم عبود

حالة من القلق وعدم الاستقرار تجتاح عقل المواطن سواء في العراق عموما أو في إقليم كوردستان ، كما ينتشر شعور مليء بالمرارة والتشاؤم ، مع اعادة التفكير بالماضي العصيب الذي عاشه العراقي أيام النظام الدكتاتوري وهو يعيش تحت ظل حصارين هرسا أيامه ، ونغصا حياته في شحة الدواء وقلة الغذاء والممارسات التعسفية التي اقدمت عليها السلطات حينها، واليوم تعم ضبابية المعلومات والأفعال والقرارات في الحرب الدائرة بين القوات العسكرية المسلحة وبين فصائل ( داعش ) الإرهابية والتي تساندها بعض العشائر في منطقة الرمادي ، وبين حالة التفجيرات اليومية التي تضرب مفاصل مهمة من مدينة بغداد لتؤدي بحياة العشرات من الأبرياء ، وبين ايقاف أو تأخير إرسال موازنة الإقليم للتصرف بها وفق القانون .
وحين يتماطل السياسيون في مجلس النواب لعرقلة إقرار الموازنة العامة ، وهي تعد من بين أهم مفاصل الأرضيات التي يستند عليها العمل التنفيذي ، وتتوقف عليها جميع الالتزامات بما فيها رواتب الموظفين والعاملين في مؤسسات الدولة ومفاصل الشركات الأخرى ، فأنهم بهذا المنطق يتبارون فيما بينهم على حساب استقرار حياة العراقيين ، ولهذا فأن الإجراءات المتخذة من الحكومة الاتحادية في عرقلة وإيقاف حصة الإقليم من نسبة الموازنة بقصد احداث خلل وإثارة مشاكل وعرقلة تنفيذ التزامات قيادة الإقليم اعتقادا بانها تحدث ارباكا لعمل القيادة الكوردستانية ، حيث أن ذلك الأمر يدفع بالقيادة الكوردية الى اتباع منهج تقليل الرواتب أو ايقافها لحين تمكنها من تحصيل حقوق شعبها وحصته القانونية المتفق عليها من الموازنة العامة ، وخلال هذه الفترة يعيش المواطن الكوردستاني تحت هاجس الظنون والمتغيرات والمفاجئات وهي جميعها لم تكن في باله ولا في حساباته ، وضمن هذا الحال نضع جزءا من اللوم على عاتق القيادة الكوردستانية التي اسلمت مثل هذا الاحتمال لمن يريد احداث الضرر البليغ بشعب كوردستان في العراق اليوم أو في المستقبل .
أن مثل هذه الإجراءات سواء بتقليل الرواتب أو تأجيل دفعها الى مستحقيها لن تحدث ضررا سوى الى شريحة الفقراء والمتقاعدين والموظفين ذوي الدخل المحدود ، كما انها ستنعكس ايضا سلبا على الحياة الاقتصادية وعلى حركة السوق في الإقليم ، وسيزيد هذه الشريحة معاناة أخرى فوق ما تعانيه من ضعف الحال وعدم قدرتها على مواجهة الغلاء والظروف التي يعيشها الإقليم والتي كان يفترض أن تنظر لها الكتل السياسية والمعنيين في برلمان كوردستان وفي القيادة بعين الفاحص الذي يرعى تلك الطبقة الواسعة ويسهل لها امور معيشتها واحتياجاتها الضرورية باعتبارها هدف اساسي من اهدافها ، كما انها ستزعزع الثقة بنظرة الناس الى المستقبل .
أن قضية الخلافات بين الحكومة الاتحادية والإقليم لايمكن ان تنعكس على مصالح الشعب سواء في عموم العراق أو في مساحة الإقليم ، لأن مثل هذا الانعكاس له مزالق وزوايا خطيرة ليس فقط توقع الضرر على الكورد ، إنما ستدفع بالتالي الطرفين لتبني مواقف تجعل العراق بلدا تحت رحمة الخطر والرغبات المريضة واستغلال الوسائل والمواقف ومحاولة الضغط بوسائل غير مشروعة وغير محسوبة النتائج وغير عابئة بحياة الناس .
وإذا كان الناس جميعا بحاجة ماسة الى تطمينها ، فأن إصدار القرارات والخطوات الكفيلة بضمان تبني العملية الديمقراطية منهج اساسي نص عليه الدستور كفيل بهذا التطمين ، وكذلك في تبني نهج الأعمار والبناء وتحسين احوال الطبقة الفقيرة والمستويات الدنيا من المجتمع ، فأن كل خطوة مقصودة لتأخير إقرار الموازنة والمماطلة لتأجيلها تحت شتى التبريرات والأعذار يعتبر من باب أحداث الضرر بمسيرة العراق عموما ، وهي مهمة تشترك فيها المؤسسة التشريعية مع الحكومة ، وليس من المنطق أن يبقى العراق دون موازنة طيلة الستة أشهر القادمة ، حيث يصرح بعض المسؤولين حول امكانية تمديد عمل مجلس النواب حتى منتصف حزيران وبعد انتخاب المجلس الجديد ، متناسيا أن وضعا استثنائي وغير طبيعي سيخلقه عدم اقرار الموازنة يعرقل معها جميع خطوات البناء والالتزامات المفروضة ، ويجعل المواقف الخلافية تطغي وتتغلب على المواقف الوطنية ومصالح الناس ، فتبرز التشنجات والهواجس التي لاتتيح للقواسم المشتركة ولا الى الحلول العقلانية أن تجد لها محلا من الأعراب .
أن عدم صرف حصة اقليم كوردستان يعد سابقة خطيرة ، وتعديا واضحا على مبادئ النظام الديمقراطي ومبادئ الدستور وحقوق الانسان ، كما يعد هذا التصرف موجها ضد شعب الإقليم وليس بقصد الضغط على القيادة الكوردية للقبول بما تمليه عليها الحكومة الاتحادية ، وإذا كان احدا يريد ويسعى الى حياة انسانية يحكمها الدستور والقوانين ، عليه ان يتمعن جيدا في نص الدستور الذي يؤكد على المساواة بين العراقيين امام القانون بغض النظر عن قومياتهم وأديانهم وطوائفهم وأجناسهم ، وفي تلك المساواة ينبغي ان ننظر بعين الأنصاف للجميع ، وان لايتم اعتماد السوابق الخطيرة ومحاولات التبريرات غير المقنعة في العمل السياسي ، فالعراق اليوم يحتاج الى بناة يخدمون الشعب ويساهمون في استقراره وبناء ما خربته الدكتاتورية ، ويمسحون من ذاكرتنا تلك الويلات والمآسي والحروب والجراح التي خلفتها الأنظمة البائدة والماضي البغيض الذي عشناه جميعا ، وان ندرك أن جميع الخطوات صغيرة كانت أم كبيرة محسوبة من الشعب وهو وحده مصدر السلطات .