المنبرالحر

هل سيحرقُ شارع المتنبي ثانية؟ / ئاشتي

تزعمُ أنك َألغيتَ حدود َالفصل بين المشتهى والمتداول حين ركبت َصهوة َمهرة التجديد، ولكنك يا صاحبي لم تعرف آلية قياد هذه المهرة الجامحة والتي يدعونها التجديد، فهي لا تتواني من أن ترمي فارسها أرضا حين يحاول أن يلجم جموحها، مثلما هي تنصاع بكل هدوء لكف طفل حين يمرره على خياشيمها، مهرة التجديد من نحاس وماء، تستسيغ الضحكة مثلما ترفض البكاء، ومهرة فرحنا هنا هي شارع المتنبي الجميل، ذلك الشارع الذي يأتي مسرجا بالحب لكل العراق في كل يوم جمعة، ينثر طيب محبته وعنفوان معرفته على وجوه الجميع، عبر كتب وجدت مكانها الحقيقي الى أرصفته، فتغزلت شغفا بها عيون من يشتهي الضياع في عالم الكلمة. وهل هناك اجمل من عالم الكلمة أو اشهى ضياعا في عالمها؟ وفي يوم الجمعة ليست الكتب وحدها التي تتحكم بمغريات التوافد، بل هناك اللقاء بالأصدقاء الذين ابتلوا بهاجس الثقافة أو انهكتهم حالة البحث عن الحرية، والكتب أولى في التعبير عن هاجس الحرية ، لهذا ترى الفرحة في شارع المتنبي اكثر من فرحة وأكثر من انتشاء في عالم الكتب، حيث تختلط الشكوى من عدم العثور على المراد بالفرحة من العثور على اللامتوقع. ويبدو يوم الجمعة بالفعل هو اليوم المخصص لعبادة الكتاب في شارع المتنبي. تخرج ربات المعبد وهن يعلن بيع الكتب، فالحياة بدون الكتاب هي جهنم أوارها الجهل والتخلف.
تزعمُ أنك ألغيت حدود الفصل بين المشتهى والمتداول، وقد مرت اليوم سبع من السنوات على تدمير هذا الشارع، سعياً من اجل تدمير الثقافة العراقية، وهو مشروع يبدو للوهلة الأولى من السذاجة الحديث عنه، ولكن الحقيقة اكبر من الوهم، الحقيقة أن شارع المتنبي صار الشارع الذي يهدد كراسي الحكام يوم الجمعة، فما مر يوم جمعة إلا وانطلقت الاحتجاجات على إداء الحكام، مثلما تنطلق فيه الفعاليات الثقافية التي تعبر عن صدق الضمير العراقي، فهل سيحرق هذا الشارع ثانية؟ نعرف جميعا أن الكتاب عدو الحكام عندما يكشف كل انواع الفساد، فهل سيقيمون  محرقة أخرى للكتب بهذا الشارع؟
تزعم أنك ألغيت حدود الفصل بين المشتهى والمتداول، ورحت تبحث عن الأسمى في رحاب الحرية المزعومة، ولكنك نسيت أن الغرق في فيضان الاستبداد ليس بجديد على هذا العراق، مثلما ليس بجديد حرق شارع المتنبي بل حرق كل بغداد لأنها فتنة شاعر مثلما يقول الشاعر ادونيس.
«بغداد فتنة شاعر. هذي عكاظ؟ أمن جديد
تصحو وتسكر تحت قوس جراحها؟
أهو المكانُ، يُشَقُ صدر نبيِّه،
أهو السديم؟»