المنبرالحر

أم علي.....امرأة قدت من صبر/ ئاشتي

قد تستوقفك حالات عديدة وهي تمثل معنى الشجاعة والتضحية والبسالة ورباطة الجأش، وهذه مواقف انسانية بحد ذاتها، حيث يكون أبطالها بشرا مثلنا ينسجمون مع ذاتهم بكل معاني الصدق، لذلك نرى التاريخ ينصفهم في اغلب محطات مسيرته رغم كل التعرجات التي تعترض هذه الطريق، وكأن التاريخ لا يرسم معالمه إلا عبر هذه الخطوط المتعرجة، وربما يتوقف أحيانا عن التعرض لها مهما بلغت من شدة فعلها الإنساني عندما يسجل حروفه الذين يتربعون على دفة الفعل السلطوي، وهنا نستطيع القول أن التسجيل المجاني للزيف هو الذي يكون سدا ولحمة هذا الفعل، فكم من الحالات التي تجاوزها التاريخ؟ وكم من البشر الذين تجاوز مسجلوا التاريخ فعلهم الإنساني الكبير؟ ربما الكثير وواحدة منهم هي هذه المرأة التي صمدت بوجه كل عتاة الزمن المُر لا بل تحدته ...أنها أم علي. المرأة التي رحلت مع زوجها من جنوب العراق لتجد مستقرا لها في العاصمة بغداد، عندما شحت عليهم الدنيا بالعيش، وبغداد ليس مثلما تصوروها، لهذا عانوا ما عانوا من شظف العيش والعوز، حالهم حال الكثيرين من نازحي الجنوب إلى العاصمة بغداد، وإذ يتوفى الزوج يبدأ الأطفال بالعمل مبكرا فتأمين لقمة العيش واجب اجتماعي على الأولاد تحقيقه، وفعل الكدح يجعل الأبناء يبحثون عن أمل يتجاوزون به كل هذه التخرصات في معيشتهم، فلم يجدوا غير الانتماء إلى اليسار العراقي، وتنسجم أم علي مع توجه أبناءها حين تتيقن من أن اليسار سوف يحقق طموحات كل الناس الفقراء، وهل هناك أكثر منهم فقرا؟ لهذا لم تعترض على انتماء كل الابناء إلى قافلة الحزب الشيوعي، لا بل كانت تحرضهم على التواصل وعدم التخلي، لهذا احتفظ الأبناء بشرف هذا الانتماء، رغم كل قساوة النظام البائد حيث انهم يفتخرون من أن لهم أخا وأبن عم يقاتل ضد النظام المقبور، وحين اشتد عليها الضيم فقدت بصرها فلم تعد ترى الاشياء بعينيها بل تبصر الجميع بقلبها مثلما كانت تبصر الجوع بعيون الفقراء، كانت لا تخشى على الأبناء من شيء سوى من خشيتها أن يرتموا في احضان الفساد الذي عم الكثيرين، كانت ترى بإحساسها كل شيء وتفتخر من أن ابناءها لم يكونوا ضمن هذا السيل الجارف، لهذا نراها عندما أغتيل أبنها ياس في مقر الحزب الشيوعي في مدينة الثورة، لم تعرف عينيها البكاء بل تجلدت بالفخر والكبرياء، وعندما قمنا بزيارتها لكي نخفف عنها هول الصدمة قالت وبكل صدق، كل واحد منكم ياس...أخبرتها من أنني صديق ورفيق أبنها حسين ( النصير عمار) أجابت (اشم ريحته بيكم)... قد لا تختلف عن الكثير من الأمهات ولكن أختلافها يكمن في أنها قدت من صبر، عندما التقيت برفيقي عمار في اربيل وهو في طريقه إلى بغداد طلبت منه أن يقبل أمنا وأعني أمه..قال أنها رحلت قبل اشهر قليلة...بكيت بكل دموع الحزن، بكيت فراقك أمنا أم علي...لأنك ليس مثلنا نحن البشر..أنت جناح صبر ومحبة للجميع.