المنبرالحر

مشاعر الاحباط.. المخرج من الازمة / جاسم الحلفي

كشف طلبة الدراسات العليا لكلية العلوم السياسية في جامعة بغداد، في ندوة حوار عقدتها الكلية مع الدكتورة انيا فلرشوك، مديرة مكتب عمان وبغداد لمؤسسة فريدريش ايبرت الالمانية، يوم 23 شباط الفائت، كشفوا عن حالة الاحباط التي يشعرون بها كمواطنين. وقد عبروا عن ذلك في اسئلتهم ومداخلاتهم التي بينوا فيها عمق الازمة التي تمر بالبلاد، وتداعياتها على مجمل الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. واظهرت تحليلاتهم الدقيقة ايضا، تجليات الازمة في العلاقة بين الاطراف السياسية المشتركة في ادارة حكم البلاد، كما في ازمة الموازنة، وتوتر العلاقة بين ادارات الوحدات السياسية والإدارية للنظام السياسي، بدءا بالعلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم، وبين رئاسة مجلس النواب ورئاسة الوزراء. كذلك تفاعلات الوضع الامني وخطورته، وسيطرة القوى الارهابية بمختف مسمياتها على مناطق واسعة من محافظات الانبار وصلاح الدين والموصل وديالى، واستمرارها في اقتراف العمليات الارهابية في بغداد وخارجها.
في هذا الوقت العصيب الذي يتطلب توسيع التشاور بين الاطراف السياسية، والاتفاق على الحد الوطني المطلوب لتشكيل موقف موحد في مواجهة خطر الارهاب الذي ينشط على مساحة واسعة، ويتمترس في بعض المدن، نجد ان الفرقة والتنابز وحالة الاحتراب بين الاطراف السياسية هي السمة التي تميز العلاقات السياسية. الى جانب تعزز قوة مؤسسة الفساد التي ضربت اسس الدولة، وامتدت الى مفاصلها، واشاعت قيم التهتك في المجتمع.
وفي ظل الظروف الاستثنائية المحيطة بحياة المواطن اليومية، تحول عيشه الى حالة اغتراب عن الدولة، حتى صار يعاني الاحباط واللاجدوى، خاصة مع غياب اي اهتمام بمشاركته السياسية، وعدم تمتعه بالضمانات الاجتماعية والصحية. ولعل هذه اخطر حالة يصل اليها، لان انسداد الافق، والشعور بالعجز، يدفعان الانسان بالضرورة الى اتخاذ مواقف سلبية وتبنيها. وقد تطلق تراكمات الازمة وتداعياتها حراكا رافضا يصعب التهكن بتفاعلاته، وتشجع على اعتماد اساليب عنيفة تدفع المجتمع الى المزيد من التوتر والعنف.
ولابد من التأكيد مرة اخرى ان سبب ذلك كله هو بناء نظام الحكم على اساس المحاصصة الطائفية والاثنية، وان لا مخرج من هذه الازمة المستفحلة توفره الحلول التي يطرحها المتنفذون، والتي يعيد معظمها انتاج الازمة ذاتها. انما الحل يكمن في اجراء اصلاح جذري في اسس العملية السياسية، وفي اعادة بنائها على اساس المواطنة، وليس على اساس المحاصصة التي انتجت هذه النظام المأزوم، الذي يبدد الثروات ويهدد الامن ويعرقل الإصلاح ويضيّع الحقوق، ويدفع بالعراق الى المجهول.
ان خطورة الاوضاع اليوم واضحة جلية، فلا يمكن ان تستمر ادارتها على وفق الطريقة السابقة وذهنية المحاصصة ونهجها، اللذين قادا الى الفشل، وها هما يدفعان العراق الى الحافات الخطرة.
ان الحل يكمن في اعادة بناء العملية السياسية على وفق مبدأ المواطنة. لكن هذا لن يتأتى بسهولة، انما عبر مواصلة الرفض الشعبي والنشاط الاحتجاجي باشكالهما المختلفة: النشاطات السلمية والدستورية، بضمنها الحملات المتنوعة، والاعتصامات، والدعوات للتغيير، ولتوسيع المشاركة في الانتخابات من اجل اختيار البديل. فهذا كله يمكن ان يسهم في احداث التغيير في اتجاه بناء الدولة المدنية الديمقراطية، دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية.