المنبرالحر

العراق: مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري..!؟ / باقر الفضلي

التسمية التي إختارتها وزارة العدل العراقية، لتوصيف مشروعها ل "قانون الأحوال الشخصية" المرفوع الى مجلس النواب، ب "الجعفري" ، وحدها فيها من الدلالة ومن الكفاية ما لا يجعل مجالاً للشك، حول طبيعة المسار، الذي بات يتبلور يوماً بعد آخر، للنهج السياسي الطائفي ، الذي يبدو أنه النهج الأكثر قبولاً لدى القوى الحاكمة، في إدارتها لسلطة العراق..!؟

فالتسمية نفسها قد منحت مشروع القانون المذكور، خصوصيته الدينية المذهبية، المستثناة عن غيرها من الخصوصيات لمذاهب دينية أخرى تحتضنها البيئة الإجتماعية العراقية منذ ما يزيد على الألف عام..!

وإنطلاقاً من هذه الخصوصية الدينية المذهبية، يمكن القول؛ بأن مشروع القانون هذا، قد رسم سلفاً الأهداف المتوخاة من تشريعه، كقانون ينظم بأحكامه ونصوصه قضايا الناس في أحوالهم المدنية، بإتجاه يفهم منه طريق واحد محدد سلفاً في إطار المذهب الجعفري للطائفة الشيعية، ومن خلال التسمية وحدها يعكس مشروع القانون نفسه وعلى صعيد الدولة، نكوصاً مريعاً الى الوراء، وذلك بالعودة الى ما يزيد على نصف قرن ونيف، لما كانت عليه الأحكام القضائية والسنن الفقهية والشرعية التي كانت تحكم وتنظم قضايا الأحوال الشخصية يومذاك؛ من فوضى التعددية المذهبية، والتي بسبب قصورها وتخلفها عن مواكبة متطلبات التطور الحضاري، الإقتصادي والإجتماعي للمجتمع، أن دفعت بإتجاه تشريع قانون جديد للأحوال الشخصية، هو قانون الأحوال الشخصية رقم 88 لعام/1959 ، والذي كان من بين أسبابه الموجبة ما أشار اليه القانون نفسه:
[["في تعدد مصادر القضاء واختلاف الاحكام ما يجعل حياة العائلة غير مستقرة وحقوق الفرد غير مضمونة، فكان هذا دافعاً للتفكير بوضع قانون يجمع فيه اهم الاحكام الشرعية المتفق عليها".]]

اللافت أن المشرع لمسودة القانون الجعفري، قد إعتمد النص الدستوري للمادة/41 من الدستور العراقي، كأساس لتشريعه لتلك المسودة، في الوقت الذي قد تعرض فيه جوهر النص الدستوري لهذه المادة، للنقد من قبل أوساط كثيرة، والذي بات مجرد وجودها في صلب نصوص الدستور الحالي مجرد حالة خلافية على المستوى السياسي والديني، الأمر الذي جرى تناوله من قبل الكثير من المتخصصين والكتاب، ومنها مقالة خاصة، إلقت الضوء على ما يشوب جوهر نص المادة المذكورة من قصور بالغ، يتعارض مع روح الدستور نفسه...!؟ (1)

وفي نفس السياق، " فقد جرت المصادقة من قبل مجلس الوزراء على مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري، المدقق من قبل مجلس شورى الدولة، وإحالته إلى مجلس النواب مع التوجيه بتشكيل لجنة من علماء الدين تشكلها المرجعية الدينية العليا لمواكبة تشريع القانون في مجلس النواب استنادا إلى الدستور بعد تدقيقه بالتنسيق بين وزارة العدل والدائرة القانونية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء"، مما يعزز ما تمت الإشارة اليه حول حقيقة تأكيد مسارالنهج السياسي للقوى الحاكمة بالإتجاه الأقرب الى التحزب الطائفي، والإبتعاد يوماً بعد آخر، عن نهج بناء أسس الدولة المدنية، التي ومن خلال التوقف أمام مسودة مشروع القانون المذكور، تبدو وكأنها مجرد شعار سياسي رفعته تلك القوى السياسية، التي تتقلد مهام السلطة اليوم..!؟؟(2)

إن مسودة مشروع القانون الجعفري بقضها وقضيضها، بعيدة كل البعد عن كل ما يمت بصلة الى روح المواطنة العراقية، بعد أن إعتمدت نصاً دستورياً خلافياً، هو نص المادة/41 من الدستور الحالي، كأساس لبناء هيكلية مسودة مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد، دون إعتبار لكل وجهات النظر والآراء النقدية، التي طرحت بشأن تلك المسودة ، ولا حتى للمواقف الخلافية بشأن نص المادة/ 41 من الدستور..!!؟

وفي جميع الأحوال، ومع إطلالة اليوم العالمي للمرأة في الثامن من آذار/2014 ؛ يظل ملف المرأة في العراق ملفاً مفتوحاً طالما يجري الإبتعاد وبتقصد وإرادة مرسومة، عن النهج المدني الذي كفله الدستور لدولة المواطنة العراقية المدنية، من نصوص وأحكام عامة، في نفس الوقت الذي يظل فيه، وفي مقدمة جميع المشاريع والمقترحات بشأن الأحوال الشخصية للمواطنين العراقيين من ذوي الديانة الإسلامية على مختلف مذاهبهم الدينية، يظل قانون الأحوال الشخصية رقم 88 لعام/1959، القانون الأكثر واقعية وموضوعية، والأكثر إنصافاً للمرأة والرجل على السواء، وفي أقل تقدير، رغم كل محاولات الإلتفاف على نصوصه وأحكامه، أومغامرات إلغائه..!؟؟