المنبرالحر

هل نرى بصرة الفرح والثقافة تتخلى عن ألكآبة و لباسها الطائفي؟/ مازن الحسوني

ساكنو البصرة ومن يزوروها يلاحظون بوضوح معالم المدينة الطائفية (الشيعية) حيث تكثر وتنتشر الأعلام والرايات وصور الرموز الدينية للطائفة الشيعية في كل مكان، سواء كان المكان مناسبًا أو غير مناسب، بل انتشرت هذه الظاهرة حتى في بعض مؤسسات الدولة التي يفترض أن لا تحمل أية صفة أو انتماء لطائفة محددة أو دين، وبلاشك أن كل هذا مقصود ومدروس بعناية من قبل الأحزاب الإسلامية التي تدير المدينة منذ سقوط الصنم. فإذا كان النظام السابق قد نجح في تخويف الناس طيلة حكمه من خلال أجهزته القمعية، وتذكيره لهم بأنه يراقبهم ويذكرهم بوجوده أينما كانوا من خلال نشره لصور الدكتاتور والشعارات التي ترمز لحزب النظام السابق، فإن الأحزاب الإسلامية التي استخدمت نفس الممارسات، حيث تحكم المدينة بقوة المليشيات وتستغل مؤسسات الدولة لها ولجماعتها وتنشر ما يدلل على هويتها الطائفية من خلال الأعلام والرايات وصور الرموز الدينية الطائفية، لم تستطع أن تكون بديلاً مقنعًا لأبناء طائفتها ولم تستطع هذا بالتأكيد لمن ينشد الدولة المدنية الحديثة. أثناء وجودي في المدينة خلال الأيام الماضية وأثناء حديثي مع شرائح مختلفة من أهل المدينة كان الجميع يجمع على أن بصرة الفرح والفن، بصرة السياب وسعدي يوسف والبريكان وفؤاد سالم وطالب غالي ورياض أحمد وطارق العلي وفرق الغناء والخشابة والفنون البصرية الجميلة، بصرة تومان وشارع الوطني بكل زهوه، بصرة تعدد الثقافات والأديان والطوائف، بصرة الكورنيش والكسلة، بصرة المحبة والوئام بين الجميع بكل ألوانهم، بصرة الكل وليس اللون الواحد، هي أفضل ألف مرة من هذا اللون الواحد المفروض على الجميع. الكل يتمنى أن تعود أيام الماضي، أيام السبعينات رغم بعض منغصاتها (ممارسات النظام البائد) ولكنها كانت أيام الخير والسعادة بل وحتى الانسان البصري الغائب الآخر الذي يشتاق الجميع لرؤية ملامحه من جديد بعد أن طمس النظام السابق بأساليبه القذرة هذه الملامح اللطيفة وجاءت بعده هذه الاحزاب الاسلامية لتكمل ما تبقى من هذه الملامح. ولكن ما كان يفرحني كثيرًا خلال هذه الزيارة هو هذا الفهم الكبير من قبل شرائح المدينة المختلفة، بأن هذه الاحزاب الاسلامية لا تبني للبصرة مستقبلاً جيدًا بل تسعى لمصالحها الخاصة والضيقة. يبقى السؤال الأهم في كل هذا عند سؤالي للكثير منهم لمن ستصوتون في الانتخابات القادمة؟ يأتيني الجواب دون تردد لن نصوت لهذه الاحزاب الاسلامية. أما لمن سيصوتون كبديل عن هذه الأحزاب، فقد كان جوابهم على الأغلب هو الامتناع عن التصويت لعدم القناعة بنتائج الانتخابات، والقليل منهم يذكر أنه سينتظر ليرى موعد الانتخابات ليحسم أمره. بداية التغيير تكمن هنا في رفض ممثلي هذه الأحزاب الطائفية. بذرة الطيبة التي امتازت بها البصرة وأهلها لازالت موجودة، بذرة الفرح وحب الحياة لازالت موجودة، بذرة الثقافة وتنوع الحياة لازالت موجودة (هنالك اكثر من مكتبة الآن تبيع الكتب غير الدينية التي كانت ممنوعة سابقا). إذن هنالك فرصة كبيرة لممثلي التغيير الحقيقي في المدينة وأقصد البديل المستقل وكل من يؤمن بالمواطنة الحقيقية والمساواة بين الجميع وبناء دولة المؤسسات القانونية وليس الطائفية لأجل التحرك على هذه الجماهير الواسعة التي تريد التغيير. لكنها بحاجة للقدوة، بحاجة للنموذج الشجاع الذي يظهر نفسه بوضوح ودون خوف كبديل عن هؤلاء الطائفيين. ستنزع البصرة هذا اللباس الغريب عن جسمها (اللباس الطائفي) رغم حب الناس لطائفتها، لكنها لا تريد استغلاله من قبل مجاميع بأفعالها التي لا تختلف عن أفعال النظام المقبور، لكن متى سيحصل هذا؟ سؤال تقع مسؤولية الإجابة عليه على عاتق أبناء البصرة أنفسهم لأنهم هم من يتحمل أوزار هذه المجاميع الطائفية، وكذلك يتحمل مسؤوليتها حاملو راية التغيير الحقيقة من أحزاب وجمعيات ومنظمات مجتمع مدني، شخصيات متنورة سواء كانت مدنية أو دينية، أفراد بسطاء لا يرتضون العيش في هذه الظروف الشاذة. وكذلك نحن من نعيش جسدًا خارج البصرة وروحًا على الدوام هناك. لنساعد بعضنا البعض وننزع عن بصرتنا العزيزة هذا اللباس الغريب.