المنبرالحر

بين البصرة وجوتلاند الكآبة والفرح/ مازن الحسوني

جوتلاند لمن لا يعرفها عبارة عن جزيرة تابعة لمملكة السويد يعيش فيها قرابة 50 ألف مواطن يزدهر نشاطها في فترة الصيف لكثرة السياحة سواء من داخل البلد او من خارجه. فيها مزارع بسيطة تكفي للاستهلاك الخاص للمدينة وبعض المعامل الصغيرة للسيراميك أو غيرها من الحرف. تنازع على السيطرة عليها سابقًا أكثر من بلد ودخلوا معارك طاحنة للاستحواذ عليها سواء الدانماركيين أو الروس أو غيرهم. توجد فيها قوات عسكرية بسيطة للحفاظ عليها بسبب بعدها عن المدن السويدية الاخرى.
يقام في كل عام وبالتحديد في بداية الشهر الثامن مهرجان القرون الوسطى. ومعلوم أن الكنيسة كانت هي من تتحكم بزمام الامور بكل أوروبا ومنها السويد في ذلك الزمان. لكن هذا المهرجان يتحول إلى التعريف بحياة الناس في تلك الفترات من خلال ارتداء الملابس الخاصة لتلك الفترة للكبار والصغار ولهذا تجد الكثير من الناس تتجول في المدينة القديمة التي يحيطها سور خاص هو من آثار تلك الفترة بهذه الملابس البراقة وبأعداد كبيرة، كذلك تجدهم يرتدون الملابس الخاصة بالحروب مع الأسلحة التي استخدمت في السابق كالسيوف والدروع والرماح وكل ما يتعلق بهذا الموضوع، اضافة الى طبخ الأطعمة بالطرق البدائية، وكذلك بعض الأدوات ولعب الأطفال التي أستخدمت في الماضي. باختصار فالمرء يجد نفسه وكأنه يعيش الماضي بكل تفاصيله. ما يميز هذا المهرجان هو عدم الخوض بالماضي الدموي الذي جمعهم مع جيرانهم من الدول، بل هو مهرجان للثقافة وفهم التاريخ والاستفادة منه لأجل التطور وبناء المستقبل الأفضل للشعب السويدي والشعوب الاخرى. هذا كله يجعلك تشعر بالراحة والفرح، كيف أن هذه الشعوب تنظر إلى ماضيها البسيط ولكن بطريقة جميلة تجعل أيام الإنسان الحالي هي الأهم ولا تقف عند نقاط الماضي السيئة.
أما في بصرتنا الحبيبة وعموم البلد فكل شيء يجري بطريقة مغايرة للتطور. يبتدئ العام في التقويم الهجري بشهر محرم وفيه تبتدئ اسوأ حالات الاستخدام للتاريخ من قبل السياسيين ومن خلفهم رجال دين لا يريدون لهذا المجتمع أن يتطور لأن تطوره معناه ضياع فرصهم في الغنى والاستحواذ على السلطة. تنصب خيم القرايات وترفع الأعلام والرايات التي تركز على واقعة الطف وتبقى هذه المظاهر ليس فقط لأيام عاشوراء بل طيلة السنة من خلال استحداث مناسبات تخصّ الطائفة الشيعية (يوم الغدير ....الخ). وتبقى الأعلام والرايات حتى وأن تمزقت وأصبحت مهلهلة لا يجرؤ أحد على رفعها. وكأن الجميع يريد لهذه المدينة أن تبقى في حالة الحزن والحداد والكآبة طيلة العام وتعتبر أن الزمن توقف عن التطور منذ حادثة الطف وبالتالي ليس للإنسان الحالي من شيء يفعله يسوى البكاء والندب على تلك الفترة ونتائجها. ولأجل تعميق هذه الحالة ترى الجوامع والحسينيات وقارئي الردات الحسينية الذين تسمعهم أينما ذهبت في الراديو أو محلات التسجيلات لا موضوع لديهم عن الانسان الحالي بل كل شيء يجري الحديث عنه هو الماضي والماضي الحزين تحديدًا، ماضي القتل والذبح، ماضي كره أعداء الطائفة أي نشر سياسة البغض والحقد، ماضي البؤس ماضي لا تفهم منه غير هذه الحالات المتعبة للنفس ويرافق هذه في أيام مختلفة شعائر غريبة عن التحضر والوعي الانساني مثل تعذيب الجسد (اللطم، ضرب الظهور الزنجيل، القامة، السير على الأقدام لأيام لزيارة الأماكن المقدسة للطائفة ،او الزحف .....).
من يزور جزيرة جوتلاند خلال مهرجان العصور الوسطى سيفهم كيف كانت الناس تعيش في الماضي دون أية نزعة لكره الآخرين أو أية أعمال تؤذي الانسان سواء جسديًا او نفسيًا، أما نحن خلال اقامتنا لهذه المهرجانات الطائفية فلا يفهم المرء منها أي شيء، كيف كانت الناس تعيش تلك الفترة بل ما ستعيشه هو الحزن والكآبة وكره الطائفة الاخرى (السنية) وصرف مبالغ هائلة واستنفار لكل المجتمع وتعطيل لدورة الحياة فيه ولا تزيد هذه المناسبات محبة الناس لبعضها البعض بل العكس تكرس الحقد والكره. كل هذا يجري لأن من يقوم على إدارة هذه المهرجانات الطائفية لا يهمه الانسان الحالي وتطور حياته بل كل همه كيفية هو حفاظه على مركز السيطرة على المجتمع ومقدراته وبلا شك أن من يشترك بهذا هم أولا رجال السياسة المتأسلمون ومن خلفهم رجال الدين المستفيدون من هذه الحالة.
أما الخاسر الأكبر في كل هذا فهو المواطن والمجتمع. ويكفي لمن يزور مدينة البصرة أو من يعيش فيها مشاهدة ظواهر الحياة الكئيبة هذه.
يبقى السؤال الأهم هل يرتضي المواطن البصري أن تستمر حياة البؤس والكآبة هذه وتعيش المدينة ذات الموارد الهائلة في أسوء حالاتها من وساخة وفقر ونقص في كل مرافق الحياة الطبيعية ويبقى نفر قليل باسم الدين والطائفة يتحكم بكل المقدرات ولا يعير أية اهمية لإنسان اليوم. جواب السؤال هذا سيكون في نتائج الانتخابات البرلمانية القادمة.