المنبرالحر

الأغنية السياسية..!/ ريسان الخزعلي

.. في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، شدّتنا كثيرا أغاني الشيخ امام من اشعار احمد فؤاد نجم، واصبح تداولها واسعاً بين الناس وبخاصة المحرومين الذين يعانون الأضطهاد السياسي والعوز المادي. وقد انتشر تداولها من خلال تبادل الكاسيتات الشائعة يومذاك. وكانت هذه الاغاني تشكل جزءا هاما من فقرات الجلسات والسهرات في البيوت العراقية، وكانت أيضا، تعد كمنشورات سياسية تحريضية ضد الأنظمة المستبدة. وفعلا تعرّض كل من الشيخ امام وأحمد فؤاد نجم للاعتقال مرات عديدة بسبب فاعلية هذه الاغاني وتأثيرها التحريضي من أجل حياة أنقى وأرقى وصودرت كذلك دواوين أحمد فؤاد نجم التي تضم هذه الأغاني (بلدي وحبيبتي، بيان هام، إصح يامصر).
لقد تضافرت جهود الشاعر والملحن والمغني في التأسيس لأغنية سياسية في مصر، إمتد تأثيرها الى البلدان العربية الأخرى. وكان العراق اكثر هذه البلدان تلقياً ومجاراة لها، فنشأت حركة تأسيس أولية لأغنية سياسية عراقية في الفترة 1973- 1976 حيث الاستقرار السياسي النسبي- على أيدي بعض الملحنين (جعفر حسن، كمال السيد، حميد البصري، وغيرهم). وقد لاقت تفاعلا جماهيريا واسعا، وكانت ساحات وحدائق جمعية الفنانين التشكيليين ونقابة الفنانين تزدحم بالجمهور عندما كانت تحتضن المهرجانات التي تقام لهذه الأغنية. وبالرغم من ان بغداد كانت ال?ركز الاول لنشأة الأغنية السياسية، إلا ان التأثير امتد الى بقية المدن العراقية.
وقد ارتبطت الأغنية السياسية العراقية بالحزب الشيوعي العراقي المجيد، نشأة وممارسة وتماساً بأنشطته الثقافية الجماهيرية، حتى ان الشعراء والملحنين والمؤدين كانوا جميعا من بين صفوفه. وقد اتسع تداول هذه الأغاني حتى كادت ان تكون بديلا عن الغناء العاطفي، مما جعل النظام السابق يتحسس كثيرا ويتحسب اكثر لهذا النشاط الجديد.
وبعد عام 1978 انحسرت هذه الاغاني داخل العراق بعد ان تعرض الحزب الى الهجمة الشرسة، لكنها تواصلت في المنافي. وكم كنا نستطير فرحا حينما نسمعها من بعض الاذاعات وكأننا في الساحة ذاتها.
إن الحاجات السياسية والاجتماعية والذوقية والضرورة الفنية الابداعية، تدعونا لأن نفكر من جديد بأحياء أنشطة الأغنية السياسية سيما ونحن نعيش عشيّات الذكرى الثمانين لميلاد الحزب العظيم. وبالعراقي، أروي هذه الحكاية الواقعية والتي كنا فيها نحوّر ما هو غناء عاطفي الى ما يشبه الغناء السياسي الدال، فقد كنت والقاص كاظم الجماسي في جلسة ودية في نادي الأدباء خلال سنوات الحصار. وبعد اكتمال اشراقات الروح، كنّا نردد وبهدوء استهلالا غنائيا شعبيا «نعله إعله بيّه الـكَال الأسمر مو حلو» وعند خروجنا من النادي بعد منتصف الليل،?تطور موقفنا الغنائي وتحول الى (ردح) على طول الشارع بصوتٍ، وبقصدية واضحة نردد «نعله إعله بيّه الـكَال الأحمر مو حلو..!» وأرى اننا قد نجونا من أن نكون صيدا كان سهلا عليهم..!