المنبرالحر

وسنظل نواجه التخلف الفكري/ صادق إطيمش

مع إشتداد اوار الحملة الإنتخابية يشتد نشاط القلقين على مصيرهم في سنة الحسم هذه التي إنكشفت فيها وفي ما قبلها من السنين ايضاً ألاعيب تجار الدين وتوجهات الضاربين على اوتار المشاعر القومية المتطرفة والإنتماءات الطائفية والمذهبية ، وما ينتظرهم من مصير اسود لو تحقق التغيير فعلاً في الإنتخابات القادمة في نهاية نيسان من هذا العام على ايدي القوى الديمقراطية التي تشكل البديل الحقيقي على الساحة السياسية العراقية . وعلى هذا الأساس يلجأ المفلسون سياسياً لتبرير إفلاسهم من خلال توظيف ألأساليب التي يحاولون بواسطتها الطعن بأبرز مناوئيهم على الساحة السياسية وأكثرهم خطراً على كشف زيف ما يرمون إليه وما يسعون إلى تحقيقه خاصة إذا ما تعلق الأمر بالعمل الجدي المسؤول في الظرف السياسي العراقي الراهن المعقد والمتشابك . وقد يقود هذا التشابك إلى ضياع " راس الشليلة " لدى أولئك الذين نسميهم بسياسي اليوم أو سياسي الصدفة الذين برزوا مؤخراً على الساحة السياسية العراقية التي لم تكن قد سمعت عنهم في معظم فترات النضال السياسي الذي خاضته القوى الوطنية العراقية منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة لحد الأن والذي لعبت فيه القوى الوطنية التقدمية العراقية الدور القيادي في كثير من الحقب التاريخية ، ومَن يجهل هذه المعلومات فما عليه إلا ألرجوع إلى المصادر التاريخية التي تتحدث عن تلك الحقب ليثقف نفسه بهذا الأمر ، واهم هذه المصادر هي مجموعة التحقيقات الجنائية العراقية التي صدرت مؤخراً. أما ما يطلقه السياسيون الجدد من تشويه للتاريخ السياسي الحديث فلا ينم إلا عن جهل مطبق او تعمد مسبق للتنكر لحقب تاريخية لم تزل كثير من سوح النضال العراقي تصرخ بدماء الشهداء التي سالت عليها والتي إقترنت حتى اسماءها بسمات هذا النضال .
الجدل السياسي العلمي بين الأطراف التي تؤمن بالعمل السياسي الديمقراطي والنقاش المبدئي الواعي الملتزم بإحترام الرأي الآخر والتعامل معه من منطلق مقارعة الحجة بالحجة ضمن الضوابط الأخلاقية والقيم الإجتماعية والقوانين المرعية التي لا تُشرِع للعنف ولا ترسخ قمع الآخر المنافس سياسيآ , ظواهر لابد منها في أي مجتمع يسعى للسير ضمن الركب العالمي المتحررلضمان عيش أفضل وحياة أسعد لكل مواطن يتعامل مع هذا المجتمع على أساس ضوابط العقد ألإجتماعي الذي تشكل الظواهر أعلاه قاعدته العريضة التي يتحرك عليها الجميع .

ولو تعمقنا بدراسة وتحليل الفكرألإنساني الذي تبلوركواقع ملموس بعد الحرب العالمية ألأولى لوجدنا أن هناك ظاهرة مشتركة جمعت بين ألأضداد على إختلاف مشاربهم الفكرية ومناهلهم الفلسفية وعقائدهم الدينية ومواقعهم الجغرافية . وقد يعجب المرء أشد العجب أحيانآ حينما يرى ظاهرة إجتماع ألأضداد هذه تكاد تكون متشابهة إلى حد بعيد بأساليبها رغم إبتعاد منفذي هذه ألأساليب عن بعضهم البعض وربما عدم معرفتهم ببعضهم البعض أيضآ. ألظاهرة العجيبة الشبه هذه في كل زمان ومكان هي ظاهرة العداء لكل فكر تقدمي ثوري يروم التغيير من خلال نظام إقتصادي إجتماعي ثقافي متكامل بكل منطلقاته الفلسفية وتوجهاته العلمية التي تشكل المؤشر والموجه لهذا التغيير . لم يختلف جوهر الفكر المعادي للشيوعية مثلاً لدى النازية عن مثيله الفاشي أو عن الجوهر الميكافيلي وما يماثله لدى البعث العربي أو لدى أجهزة مخابرات بهجت العطية أو المخابرات العربية ألأخرى أو لدى التوجه المتخلف عن ألركب الإجتماعي الحضاري العالمي المتلبس بالدين كنظام الطالبان ألإرهابي . إن ألأسس التي إنطلق منها هذا الفكر المعادي للشيوعية هي نفسها سواءً أكان ذلك في ألمانيا أو إيطاليا أو شيلي أو العراق أو أفغانستان . ولم يقتصر هذا الفكر وأسسه التي إستند عليها على جيل بذاته أو طبقة بعينها , بل جرى التواصل بالعمل ضمن هذه الوتيرة ذات الوصفات الجاهزة لكل قطر والمناسبة لكل عمروالملائمة لكل بيئة , طالما أن ألأمر يتعلق بالعداء للشيوعية ومحاربتها كفكر وفلسفة وكمبدأ وكنظام .لقد أعطى كل ذلك زخمآ للتواصل في هذه الحرب بحيث لم يتوان المنخرطون فيها عن التفاخربهذا الفكر القمعي غير آبهين بمصدره الذي لم يروا فيه صفة ألإستيراد تلك التي طالما لصقوها بالفكر الشيوعي .وما يقال عن محاربة الشيوعية يقال ايضاً عن محاربة كل فكر تقدمي ينحى منحى التغيير الجذري في العلاقات الإجتماعية من خلال التغيير في الطابع الإقتصادي والثقافي للمجتمع .
واليوم وفي غمار النقاش حول قانون الأحوال الشخصية الجعفري الذي اناط اللثام عن توجهات الإسلام السياسي في العراق على وجه الخصوص وبدى فيه اول الغيث بانتهاك الطفولة وإهانة المرأة وتكريس التخلف الإجتماعي وتمزيق التآلف العائلي من خلال الحياة القسرية التي تفرضها معطيات تكوين الأسرة في القرن الحادي والعشرين من عمر البشرية. في خضم مثل هذه الصراعات التي تخوضها القوى العراقية التقدمية الرافضة لهذا القانون المتخلف سياسياً واجتماعياً وقانونياً وحتى دينياً تبرز بعض الأصوات النكرة لأدلجة هذا الصراع والعودة بنا إلى فتاوى وتصريحات الستينات من القرن الماضي لتجعل من هذا الصراع بين من يحترم الإنسان وحقوقه في الحياة الإنسانية ، مهما كان هذا الإنسان الذي خلقه الله على احسن تقويم ، وبين من يريد ان يجعل من هذا الإنسان صنماً يتحرك حسب ما يمليه عليه الولي مهما كانت درجة تخلف وغباء هذا الولي , ومهما كانت المسافة بينه وبين معطيات العصر الحديث الذي تعيشه البشرية اليوم بكل إنجازاتها العلمية وبكل مقومات الحياة الجديدة فيها .
أننا ، نحن القوى الديمقراطية العراقية التقدمية نريد أن نقول لكل هؤلاء الملتحفين زوراً بالدين والمتسترين كذباً بالأخلاق الذين لم تمتلئ أجوافهم بعد بما فيه الكفاية من المحرمات ، مثلهم في ذلك مثل جهنم التي تطلب المزيد دوماً . نريد ان نقول لهم كلمة واحدة , ربما لا يفهمونها أيضآ , ولكننا نقولها مع ذلك للتاريخ . لقد تكالبت قوى عاتية , ولعشرات من السنين دون ملل أو هوادة , تفوقكم عدة وعتادآ بآلاف المرات على كل ما هو خير وشريف وتقدمي وديمقراطي محاولة النيل من هذه القوى ومن نضالها الوطني وتاريخها المعمد بدماء شهداءها وتضحيات مناضليها , فماذا جنت هذه القوى الآثمة الشريرة....؟ إنها لم تجن غير الذل والهوان ولم تحصد غير ألإنحطاط وولوج دروب الخيانة والرذيلة ولم تجد مهربآ لها من غضب الجماهير ولعنة التاريخ ألأبدية التي آلت بها إلى جحور الفئران وإنتهت بها إلى القتل العشوائي لإهلنا في الوطن , وظل المناضلون العراقيون وافكارهم النيرة وتوجهاتهم الإنسانية وتطلعاتهم نحو مستقبل زاهر للوطن وسعيد للشعب يستمدون نضالهم من سلسبيل دجلة والفرات ومن نسيم زاخو والفاو ومن بذل وعطاء كل المخلصين للعراق أولآ وللعراق أخيرآ وليس لغير العراق . فهل أنتم بذلك معتبرون ؟ ما أكثر العِبَر وما أقل ألإعتبار .
إننا نعتقد ان عودة هؤلاء السياسيين المفلسين لتقليب الدفاتر القديمة والنبش فيها عن خردة فتاوى الماضي لا يدل إلا على إفلاس الذين ينصبون العداء لعملية التغيير التي ستنزل كالصاعقة على رؤوسهم التي قال عنها الجواهري الكبير يوماً :
لم يعرفوا لون السماء لفرط ما انحنت الرقاب
الرقاب التي ظلت منحنية خلال السنين الإحدى عشر الماضية على عد الأموال وتقليب صفحات العقارات والحسابات المصرفية داخل وخارج الوطن . وحينما يشهرون إفلاسهم السياسي اليوم فإنهم بذلك يحاولون ان يواجهوا ذلك الكم الهائل من البرامج السياسية والحلول العلمية لمشاكل وطننا وحياة اهلنا التي يتضمنها البرنامج الإنتخابي الذي طرحته القوى الوطنية والتقدمية العراقية المؤتلفة في التحالف المدني الديمقراطي .إلا ان مواجهتهم هذه تظل بائسة إذ ان سيوفهم قد صدأت كما صدأت افكارهم من قبل .