المنبرالحر

القانون ولي الدم / قاسم السنجري

ليس هيناً أن يراق الدم العراقي فقط، بل أن تراق كرامة المواطن أيٍّا كان، وإراقة هذا الدم تعد جريمة كبرى لا يمكن السكوت عنها دون النظر إلى خلفية هذا المواطن العرقية أو التعليمية، فهو مواطن من حيث المبدأ ويجب التعامل معه على أساس مواطنته لا على أساس خلفيته الإثنية والدينية.
فجعنا جميعنا بمقتل الزميل "الصحفي محمد بديوي"، حيث كانت وفاته بهذه الطريقة الموجعة تثير الكثير من التساؤلات التي برزت بعد مقتله مباشرة، حيث ارتفعت أصوات حاولت دمغ الحادث بخلفية عرقية، رافقتها شعارات منفعلة تم استغلالها ونقلها من دافعها الإنساني إلى الحسابات السياسية التي لم تترك شيئا إلا وتحاول أن تستفيد منه قدر الإمكان بغض النظر عن حسابات بيدرها المسيس وحقلها المتيبس.
ان ما تكشفت عنه تفاصيل الحدث ومرجعية الضابط "القاتل" فيما بعد، توضح تماما أن الحقيقة دوما كجبل الجليد في البحر، لا نرى منه سوى قمته، فإن عائدية الضابط إلى وزارة الدفاع تكشف النقص المهني الكبير في كيفية تعامل أفراد القوات المسلحة مع المواطنين كمواطنين لا كـ"عدو"، كما أن تواجد أفراد القوات المسلحة في داخل المدن في وضع متأهب نتيجة لحالة الطوارئ طويلة الأمد وحالة التحفز التي عليها أفراد القوات الأمنية جيشا وغيره من الأجهزة، ستظهر الكثير من التجاوزات بحق المواطن المدني، التي تصل إلى انتهاك حريته وخصوصيته، وقد تصل إلى حد إزهاق روحه كما حدث للزميل بديوي وغيره الكثير ممن لم تسلط الأضواء على طريقة وفاتهم المأساوية، وهذه الحوادث التي رأينا وسمعنا الكثير عنها في عهد تواجد القوات الأميركية، وكيف كانت تتصرف في الشوارع العراقية، حيث كنا نتمنى أن تستبدل هذه القوات بأخرى عراقية يسهل التفاهم معها وتقدر أمزجة العراقيين وطريقة تعاملهم ولكن للأسف ما زالت حوادث الانتهاك اللفظي والجسدي تتكرر في السيطرات ونقاط التفتيش الثابتة والمتحركة، والمواطن عاجز عن الرد على ما يوجه له من انتهاكات.
إن الحل الأمثل لإنهاء هذه التجاوزات؛ هو بتقنين تواجد قوات الجيش في الشارع، وإخضاع أفراد القوات الأمنية الذين على تماس مباشر مع المواطن، إلى دورات في طرق التعامل وحقوق الإنسان واحترام الآخر، فإن هذه الأمور هي الكفيلة بحقن الدم وفق القانون لا بطرق أخرى وشعارات تنتهك الدستور.
فالقانون هو الولي الوحيد الذي يقتص ويعاقب ويثيب، وحتى إذا كان لا بد من إراقة دم ما فلا يمكن أن يكون هذا إلا بقانون يتسق مع الدستور ويحظى بموافقة الشعب أو ممثليه، ولا يمكن لقانون "الانفعال" أن يبنى دولة، أو يعيد حقا أو يحقن دما، فالدولة تبنيها قوانين راسخة لا تميز بين ابنائها من ناحية العرق أو الطائفة، ولا يهولها إهراق دم دون آخر، فجميع دماء العراقيين سواسية، ووليها قانون واحد؛ هو قانون العقوبات العراقي.