المنبرالحر

رثاء قبل الأوان لبغداد / ئاشتي

أوفر بعض الحزن لمجيء المساء فالصباحات لا يليق بها الحزن، مثلما لا يليق بالورد البكاء وبين جناحيَّ رغبة بلبل للغناء، وهي كذلك رغبة الأنهار عندما تشعر أن مدنها في طريقها للرحيل الأخير. ولكن غناء الأنهار أكثر وجعا من غناء البلبل، الأنهار تنتحر أمواجها على صخور الشواطئ حين تتيقن من أن مدينتها التي تضمها بين أضلاعها سوف تكتب وصيتها الأخيرة. وهي بذلك تغني وحشتها وتبكي فرحها وتقص تاريخها لبقايا الغبار العالق بأطراف الأفانين، وتُسرح خيول آمالها في صحراء اليأس لعلها تجد عشبة الموت الهادئ هناك. فلا أجمل من الموت في الفيافي عندما تموت المدينة الحلم، ولا أحلى من الضياع عندما تضيع المدينة الحلم، وبين الموت والضياع مساحة حزن تتكحل بالرثاء وأن كان قبل الأوان. ويبدو هذا الرثاء في طريقه إلى أرواحنا، لاسيما والمدينة الحلم تعيش في ضبابية الموت المرتقب، تغمض عينا وتفتح أخرى لعل هناك من يأتي إليها بتميمة تقيها من شرور حكامها وإهمالهم لها، لأنهم مشغولون بالنهب، مشغولون بالتحاصص، مشغولون بكيفية الاحتفاظ بكرسي الحكم حتى لو اقتضى منهم ذلك.. ما اقتضى!
أوفر بعض الحزن لمجيء المساء فالصباحات لا يليق بها الحزن، ولكن تلك الوردة بغداد صباحاتها حزن وقتل وبكاء، صباحاتها أنباء عن تفجيرات متعددة قتلى وجرحى، صباحاتها شركات دولية تجري مسوحات على عواصم العالم لنكتشف في مسح لشركة (ميرسر) للاستثمارات ان بغداد في ذيل قائمة العواصم. حيث أنها تحتل المرتبة 223 وتعتبر من المدن الأقل نوعية في المعيشة. والمسح الذي أجري في عام 2014 يأخذ في الاعتبار عوامل مثل الاستقرار السياسي والجريمة والتعليم والإسكان وتلوث الهواء. في الوقت الذي تحتل فيه مدينة دبي المرتبة 73، ناهيك عن فيينا وزيورخ وميونخ كونها ضمن أفضل المدن في العالم. فيما حكام بلادنا مهتمون في استحلاب ضرع الوطن بكل ما يستطيعون من قدرة لأنهم في شغل عن موت مدينة تحمل بين عيونها فرح كل العراقيين وأحزانهم. أنها بغداد يا حكامنا، ألا تحرك فيكم قصبة؟
أوفر بعض الحزن لأنني غنيت لبغداد، غنيت لدجلتها التي تتدلل عليها في الصباحات، مثل عاشقة تتدلل على حبيبها، فكتبت لها يوم سقط طاغوتها:

( بغدادنه الحبابه ليليه الگمر
يغسل جدايلهه بضواه ويبوسهه من عيونهه
ومن يشتعل بيهه الفرح
تغفه عله زنوده بدلال وتنسه كل ظنونهه
بغداد سدرة عشگ
بغداد چاي العصر
لو تعباهه الوكت ننطيهه كل العمر
ونطوف عالبيبان بصوانينه ياس وحنه
الله يا بغدادنه اشگد جنه)