المنبرالحر

وجدتها / ابراهيم الخياط

بهرز جنة تقع جنوب بعقوبة، وتعد امتدادا لحضارة أشنونا، وتمتاز بل تنفرد بما ليس في غيرها. ففيها جامع شهير بني ابان حكم العثمانيين، ومنها انطلق مقام شجي ساحر يحمل اسمها، وفي بساتينها تربى النخل والبرتقال والليمون والقداح والشبوي والبابونج على ابجدية المحاضر الشفافة، ولها صيتها الصاغ الذي فاقت به شهرة الاقضية والمحافظة ذاتها، وهي الواهبة المعلاة، فعلى كل خطوة فيها يتدفق الماء والظل والشعر والوصية.
قبل يومين، كشف قائد شرطة محافظة ديالى، ان عناصر من تنظيم «داعش» دخلوا الى ناحية بهرز بعد صلاة المغرب من يوم الجمعة الماضي، وسيطروا عليها بعد أن تجاوزوا السيطرات الامنية، وتجمعوا داخل السوق القديم وسط البلدة، ثم هاجموا نقاط التفتيش الداخلية وسيطروا على المساجد القريبة وبدأوا التكبير منها، وقيل بدأوا التكفير.
وأوضح قائد الشرطة ان «قيادة الشرطة عقدت اجتماعا امنيا موسعا بحضور المحافظ في مقر القيادة وسط بعقوبة، لتدارس ملف تدعيم الاستقرار الامني في الناحية وإعادة هاجس الطمأنينة للاهالي»، لافتا الى ان «ابرز القرارات التي اتخذت خلال الاجتماع هو تطويع 100 من ابناء بهرز تختارها الشخصيات المعروفة داخل الناحية، من اجل الانضمام في صفوف الصحوات، ويكون واجبها محددا في حماية الازقة والاحياء السكنية من أية اعتداءات قد تشنها المجاميع الارهابية». وقبل يوم واحد عاد قائد الشرطة ذاته، وأعلن حسم معركة بهرز، وتطهيرها من تنظيمات داعش بعد قتال عنيف، وان عشرات العوائل النازحة بدأت العودة الى منازلها.
ولأني مغرم ومتبتل وهيمان من دهرين بالاثيرة بهرز وبأهلها الذين هم الشغاف من قلبي الفتي، لذا فقد حزت الاخبار المؤذية هذا المازال فتيا، ورحت مدمى أفكر وأسأل: لماذا حط الجراد على سلة بهرز؟ لماذا توقف السونار الجبار؟ لماذا تـُعقد الاجتماعات الامنية بالتفاطين؟ لماذا تصير الطمأنينة في (أول البلبل بهرز) هاجسا وليس غفوة في عيون الاطفال والصبايا؟ لماذا يتم تدارس ملف تدعيم الاستقرار الامني دوما على عجالة؟ لماذا يُهمل العاطلون ودائما تحل محنتهم بالتطوع في الصحوات بعد خراب البصرة؟ لماذا في آخر القائمة تأتي حماية الازقة?والحارات وكأن ساكنيها من مجاهدي خلق؟
وأنا في دوامة هذه الاسئلة الصغيرة، اذا بي أصيح: وجدتها! وكانت الصرخة نفسها التي أطلقها العالم الفيزيائي «أرخميدس» عندما عرف كيف يحسب كمية الماء الموجود في حوض الاستحمام، فإكتشف قانون العوم. أطلقت صرختي لأني تذكرت أن بعض الدول التي تنتابها معضلات أمنية داخلية أو خارجية، تلجأ لتشكيل حكومات أمنية مصغرة تكون في حالة انعقاد دائم، وتكون مسؤولة عن ملفات الامن الوطني. فما أحوجنا الى حكومة كهذه، كي لا تحصل مفاجآت أمنية، وأن تكون برئاسة رئيس الوزراء وعضوية القائد العام للقوات المسلحة ووزراء الدفاع والداخلية والامن الوطني ورئيس جهاز المخابرات!
رغم مشاغلهم، عليهم في رأيي أن يلتقوا على الدوام ويجتمعوا..!