المنبرالحر

قانون الاحوال الشخصية الجعفري :يكرس الطائفية ويمزق النسيج المجتمعي / ريسان حسين

استأثرت مصادقة مجلس الوزراء على مشروع قانون الاحوال الشخصية الجعفري باهتمام المعنيين من المنظمات والجمعيات المحلية والدولية التي تعنى بحقوق الانسان والشخصيات القانونية والأكاديمية ... لا بل حتى من المرجعيات الدينية كونه يخالف نصوص الدستور العراقي النافذ المادة (14) باعتبارها مادة خلافية والذي تم المصادقة عليه عام 2005 .

مشروع القانون الذي صادق عليه مجلس الوزراء وأحاله الى مجلس النواب يضم 254 مادة تتعلق بأحكام الزواج والطلاق والإرث ضمنت في 5 ابواب وعدد من الفصول سنناقش في هذا المقال احكام الزواج التي جاءت في المواد 43 و 50 و147 و 154 والتي حددت سن الزواج للأنثى البنت بـ (9) سنوات او اقل وللذكر بـ (7) سنوات وقد جاء بأسم الصبي المميز !، نقول كيف تصرف المشرع بتحديد هذا العمر الزمني والذي هو عمر الطفولة وللطرفين الانثى والذكر، فهي غير مكتملة وهو غير قادر على اعطاء الرأي في القبول او الرفض ولا يعرف معنى الزواج ، ومعلوم لكل انسان مدرك ان الزواج هو تكوين اسرة وهذه الاسرة عليها متطلبات وواجبات عديدة منها ما تعني تكوين كيان اسري يساهم في بناء المجتمع ، آلا يعتقد المشرع ان هذا القانون تجاوزا كبيرا على حقوق الانسان والتي اكدت عليها اللوائح العالمية وصادقت عليها الحكومة العراقية عام 1986 وانتهاكا لحقوق الطفولة رغم التزام العراق ببنوده عام 1994. وان هذا القانون لا يمثل رأي كل فقهاء وعلماء المرجعيات الشيعية اذ ان بعضهم يحددون سن الزواج للبنت هو 13 سنة وان بعض المراجع لديهم معيار اخر للزواج وهو ليس العمر الزمني وإنما سن البلوغ اذا احتلم الصبي ( الصيام) والمرأة او البنت اذا حاضت (الصيام) او اذا نزل الطمث او نزل الحيض وهناك عدة مصادر بهذا الشأن ومنها فقه الامامية الذين يعتمدونه على الاحكام الواردة في القران الكريم سورة النساء الأيه 6 والتي تعنى ببلوغ الذكر والأنثى مبلغهم للنكاح اي انهم غادروا مرحلة الطفولة وهذا الاختلاف في تزويج الصغيرات والصغار عن طريق اولياء امورهم ولو كان عمر احدهم اقل من 8 سنوات واضح في المادة 126 والتي تعني بعدم احقية الزوجة للنفقة في 3 حالات ومنها اذا كانت الزوجة صغيرة غير قابلة في استمتاع زوجها منها اذ ان بعض المراجع الاجلاء ومنهم محمد حسين فضل الله هو مرجع ديني لبناني يؤكد ان المرأة شخصية قانونية مستقلة ولا ولاية لأي انسان عليها اي انه يذهب الى حرية اختيار المرأة لزوجها وبالتأكيد هذا الاختيار لا يتم الابعد النضوج العقلي والجسمي والإدراك التام من قبلها . اذن كيف يتم تزويج الصغيرة وهي غير ناضجة جسميا وبيولوجيا ومن ثم تحرم بعد الطلاق من احقية النفقة !
اما ما يتعلق بالمادة 63 من المشروع والتي تعنى بزواج المرأة الكتابية حيث تشير لا يصح ( نكاح المسلمة من غير المسلم مطلقا ولا يصح نكاح المسلم نكاحا دائمياً من غير المسلمة وهذه مادة خلافية ايضا في المذهب الجعفري ومنهم مراجع دينية اجلاء كما اشرنا الى المرجع الديني اللبناني محمد حسين فضل الله وبعض المراجع في ايران اذ اجاز للمسلم زواج الكتابية ويترتب عليها جميع ما يترتب على المرأة المسلمة.
ولابد من الاشارة الى ما يلي ان القانون المقدم من وزارة العدل لا يمثل رأي المذهب الجعفري كما اشرنا اعلاه لان وزارة العدل تمثل الحكومة العراقية وهي تعني بالسياسة لا بالدين والتشريع الديني وتتعامل مع قوانينها العامة والتي تخصها كوزارة وتمثل مختلف الطيف العراقي فلا يمكن تشريع قانون يمثل مذهباً معيناً وتطبيقه على المذاهب والأديان الاخرى لان هكذا قوانين تكرس الانقسامات الطائفية كونها مخصصه لطائفة بعينها ومن حق الطوائف الاخرى ان ترفضه لانها ترسخ الطائفية ويفتت النسيج الاجتماعي العراقي القائم على المصاهرة المختلطة بين المذاهب الاسلامية وقد رفض هذا القانون من قبل المرجع الديني اية الله بشير النجفي الذي اكد انه (ينطوي على شطحات في الصياغة الفقهيه ولا يوافق عليها فقيه ) طالباً عرضه على السيد السيستاني والاستشارة برأيه .
من جانب اخر يفترض بالمشرع ان يعتمد قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 والذي شرع بعد ثورة 14 تموز عام 1958 ويشذبه من المواد التي ادخلها النظام البائد او بعض المواد التي لا تتلاءم مع روح العصر والتي طالبت بها المنظمات الدولية واتفاقية سيداو والمحلية ومنها رابطة المرأة العراقية والتي اكدت في بيانها ( ونحن نتطلع لتشريع قانون موحد للأحوال الشخصية يضمن وحدة العراقيين تأتي مصادقة مجلس الوزراء تراجعاً كبيراً وعودة للاستبداد الذي ناضلنا للخلاص منه وقدمنا الآلاف من الشهداء لإنهاء الديكتاتورية ) وبإلغاء القوانين الاستثنائية التميزية من الحد الادنى لسن الزواج للفتيات و المشمولات بالاستثناء من عمر 16 سنة الى 18 سنة او العمل على منع تعدد الزوجات .
ومشروع القانون الذي نحن بصدده لم يأخذ او يستأنس برأي وزيرة المرأة والتي اكدت في تصريحها بضرورة اتخاذ خطوات عملية للاتفاق على قانون مدني ضامن لحقوق المرأة وحمايتها من تضارب القوانين وتعددها والتي تهدد استقرارها في ظل الظروف الاجتماعية التي يشهدها المجتمع العراقي والتي افرزت من المشاكل الاسرية كالزواج المبكر وارتفاع حالات الطلاق وهجر النساء والزواج خارج المحاكم دعت بذلك المراجع الدينية كافة وأعضاء السلطة التشريعية ( مجلس النواب ) ومجلس القضاء الاعلى والباحثيين القانونيين المختصين ولجان الامانة العامة لمجلس الوزراء باعتبارهم معنيين بتنفيذ الاتفاقيات الدولية ومنظمات المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الانسان لذا فان القانون واجه معارضة شديدة من الهيئات الدولية والمحلية كونه يخالف حقوق الانسان وقد اكدت الامم المتحدة ومنظمة هيومو رايتس ووتش بعدم صلاحيته لأنه يفتت نسيج المجتمع العراقي ويحد من حقوق الانسان وطالبت مجلس النواب بعدم المصادقة عليه .
واخيرا ادعو جميع منظمات المجتمع المدني والمنظمات النسوية العراقية والهيئات الدولية الى رفع صوتها عاليا من اجل عدم اقراره في مجلس النواب كما ادعو السادة اعضاء مجلس النواب الى رفض القانون وعدم مناقشته للأسباب التي اشرنا اليها اعلاه، وان يصار الى اعتماد قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 بعد تعديل فقرات منه ان تطلب ذلك، خصوصا وان البلد يتعرض الى هجمة من اطراف محلية وإقليمية من اجل تمزيق وحدته وهذه ليست المرة الاولى.
كما ادعو لجنة تعديل الدستور الى الغاء المادة 41 منه والتي اعتمدت عليها وزارة العدل في تشريع القانون باعتبارها مادة تثير الخلافات بين مكونات المجتمع العراقي .