المنبرالحر

عن بيكيت حين هرب / قيس قاسم العجرش

الانظمة الشمولية متنوعة مثل أي انسان، فالانسان يبقى مختلفاً مهما لاحظنا الشبه بينه وبين غيره.
واسوأ الانظمة الشمولية هي التي من النوع «الغبي»، والتي تعاني مثل أي انسان تلازمه هذه الصفة.
أما ما كنا نسمعه من معلّمات الابتدائية وهن يكررن «ماكو طالب غبي، كلكم تنجحون اذا تراجعون دروسكم» فقد اثبتت الحياة بطلانه فهي مليئة بالأغبياء، وتالياً بالأنظمة الغبيّة، مثلما هي زاخرة بالأذكياء وتالياً بالانظمة الذكية.
نجح الجميع في الامتحانات وبقي عدد كبير منهم راسباً في درس الحياة بسبب غبائه المزمن.
ولو استبعدنا الفاشلين بسبب الحظ وبسبب التمييز وبسبب العداء الخارجي وبسبب البيئة، سيبقى لدينا ايضاً كم كبير من الأغبياء بسبب انفسهم ذاتها وليس لأي علّة أخرى.
موظفو التملّق للأعلى يلازمهم الغباء ايضاَ لأنهم يرهنون وجودهم بوجود مسؤول مستفز خائف على كرسي قلق جداً.
يظنون انهم لسبب ما سيكونون أكثر ذكاءً من مسؤولهم، رغم انهم يحصدون أقل منه وأن وجودهم معلّق بالغضب عليه أو بأعماله الخرقاء.
«زينة» المسكينة، مثلا،رغم براعتها في اقتناص اكثر من 10 مليارات دينار من خزينة امانة بغداد، إلا انها اثبتت بساطتها في التفكير الى حدّ السذاجة. لم تدرك أن شفط الاموال بهذا الحجم بحاجة الى غطاء سياسي سلطوي، ولن يدعها احد تهنأ بما لديها لساعات.
الفساد بحاجة الى فراش وثير من السلطة التي تحميه، اما التملق فهو سعر التافهين ودائماً يكون سعراً رخيصاً.
اليوم أحدهم في البصرة قرر ان يتملّق ويمنع اي عرض مسرحي يحتوي على اغنية او رقصة او ما شابه، بالتأكيد هذه رسالة ممتازة للتملق الى من هو في السلطة، ويبدي مظاهر الإعتراض ولبوس الدين والورع.
لكنها ايضاً رسالة ساذجة، من النوع البائس، لا تنفع إلا بجذب مزيد من اللعنات والعزلة .
ولأن مدينة مثل البصرة أكبر من حزب آيديولوجي يدعي امتلاك الحق والحقيقة، او متنطّع يضحك على البسطاء او متملّق يسترضيه، فمصير هذا القرار كمصير غيره.
المسرح لم يظهر نتيجة قرار، والأغنية لم تخترعها زوجة سلطان اراد أن يطرب. إنها جزء من حياة الناس ولياليهم وعلاقاتهم الاجتماعية التي هي اكبر من ان يستوعبها «غباء»من يمنع شيء.. إنه يسلك بالضبط مثلما سلك جان بيديل بوكاسا، سلوكاً ينتمي الى مسرح الخيال العلمي والعبث واعلن نفسه أمبراطوراً على واحدة من افقر بقاع الارض، قبل ان يتاح له ان يعرف ما هو العبث اصلاً.
الجماعة العابثة عندنا تجاوزت بكثير ما كان يأمله صاموئيل بيكيت لمسرح العبث ..تجاوزته بكثير.