المنبرالحر

الفقرة (5) في القانون الجعفري.. شرعنة الاغتصاب والانحراف الجنسي / د ماجد الياسري*

في خضم التسابق لتسجيل مكاسب سياسية واغتنام الفرص لتسجيل النقاط على الغرماء اقدم وزير العدل المحسوب على حزب الفضيلة بتقديم مسودة لقانون بديل للأحوال الشخصية صادق عليه مجلس الوزراء وتحفظت عليه أغلبية المرجعية الشيعية. وهو يتعارض مع الدستور العراقي المقر بعد ٢٠٠٣ و يسئ لقيم الاسلام وللطائفة الشيعية بالذات في مرحلة تاريخية فشل فيها الاسلام السياسي الذي استلم السلطة ولمدة عشر سنوات ان يرتقي الى مستوى التحدي أمامه وان يبني عراقا جديدا ينعم فيه المواطن العراقي بخيرات بلاده وان يتمكن العراق كبلد ولديه كافة الإمكانات أن يتبوأ موقعا متقدما في الشرق الأوسط يعتمد على قيم الحضارة الانسانية و الديمقراطية ومقومات المجتمع المدني الذي يؤمن حق المواطنة والانتماء المذهبي والديني والقومي.
وقد كثر الجدل والنقاش حول هذا القانون ومن جوانب عدة، الاّ إنني أودّ ان أتناول بالتحليل المسببات والتبعات المترتبة على شرعية الزواجي الطفال و بالقاصرات.
تاريخيا لم يكن المجتمع الاسلامي منفردا في فرض الزواج بالقاصرات وحتى الأطفال بل كان ذلك سائداً في أوربا على المستوى الشعبي والنخبوي. ففي أوربا القرون الوسطى، الممثلة للحكم الإقطاعي وبقايا مرحلة القنانة وحيث احتدم الصراع بين المرجعية اللاهوتية ممثلة بالبابا كبورجيا والسلطة الدينيوية ممثلة بالملوك والأمراء والنبلاء، كان الزواج المبكر للأطفال والقاصرات شائعا بين النبلاء لأغراض المصاهرة وتحقيق التحالفات العائلية وبين المسحوقين من الناس بسبب الفقر والجوع والجهل.
ولكن مع دخول أوربا مرحلة التنوير والتقدم الصناعي وبروز المجتمع الرأسمالي الجديد الذي كان الحاضنة الاقتصادية بتبلور الديمقراطية الليبرالية كنظام وأسلوب حكم يستجيب لتطلعات البرجوازية الصاعدة لتوسيع وجودها الاقتصادي و الاستقرار السياسي لاستثمار أفضل لرأس المال. ومن نتائج عملية التحول هذه هو تعزز مفاهيم الحرية الشخصية وحقوق الانسان وضمان حرية المرأة، والتي وجدت تعبيرها دوليا بالوثائق التي أقرتها الامم المتحدة التي تحرم وتدين التمييز على أساس العرق و الجنس وأيضاً جرائم الاستغلال الجنسي للأطفال والقاصرات.
التطور المهم الآخر أيضاً هو التطور الحاصل في مجالات القانون والصحة النفسية الجنائية، حيث خصص فصل محدد في مصنفات الأمراض النفسية، وآخرها "دي إس إم 5" المعروف بالدليل الاحصائي الامريكي والمرجع الدولي لتشخيص الانحرافات الجنسية وبالذات تجاه الأطفال والقاصرات. بل ويلاحق القانون مواطني البلد الأوربي الذي يذهب الي بلد آسيوي او أفريقي للزواج او إشباع غرائزه الجنسية من أطفال دون العشرة او اغتصاب قاصرات. وقد وقع العديد منهم تحت طائلة القانون البريطاني وسجنوا لسنوات طويلة وفي محاكمات علنية، وبعضهم من الفنانين و المشاهير.
اما على صعيد الصحة النفسية، فيعتبر التلذذ الجنسي بالأطفال والقاصرات خطيرا جداً يضع المجتمع تحت طائلة الخطر. فهذا الشذوذ الجنسي هو عبارة عن سلوك غير عقلاني بقوم صاحبه وهو رجل بالغ بإشباع الرغبات الجنسية بالاتصال او الاحتكاك (المفاخذة) او التخيل بممارسة عمليات جنسية مع الطفل، وعادة ما يرافقها العنف والإيذاء الجسدي والنفسي للضحية وحتى الموت. هذا النوع من الشذوذ الجنسي هو أساسا لدى الرجال، وغالبا ما يرافقه خزينة من الصور الخلاعية (أحد مستشاري رئيس الوزراء البريطاني تم توقيفه قضائيا بتهمة حيازة صور فاضحة لأطفال في شهر آذار ٢٠١٤). و يرى المختصون وعلماء الأجرام ان هؤلاء الشواذ تطورت لديهم هذه النزعات المريضة نتيجة إشكالات نفسية واجتماعية وهم في حالات النمو النفسي في المراحل الاولى. كما ان اختيار الضحية طفلة هو انعكاس لحالة العجز الجنسي لدى المجرم وحاجته الى السيطرة على ضحيته كي يستطيع ان يصل الى الذروة الجنسية. هناك نظريات اخرى ترى ان المنحرف هو ذاته كان ضحية في طفولته، وتقليد الأفلام الخلاعية الفاضحة عن ممارسة الجنس مع الأطفال. وعلميا يطلق على هذا الانحراف الجنسي اسم الـ "بيدوفيليا"، وهو متواجد في كافة المجتمعات ومنها العراق حيث نقرأ بين الحين والآخر عن جرائم جنسية ضد الأطفال. وبدون الدخول في التفاصيل السايكولوجية والاجتماعية و النظريات الإجرامية فان مرتكبي هذه الجرائم النكراء في بريطانيا مثلاً ينتهون اما بالسجن المشدد والمؤبد في العديد من الأحيان او في مصحات نفسية خاصة محصنة بأسوار عالية لمنع الهروب، وفرض علاجات بالأدوية وجلسات نفسية متخصصة لعلاج الشذوذ الجنسي والتي تستمر لسنوات.
الجانب الآخر من الشذوذ الجنسي هو إقامة العلاقة الجنسية مع الفتاة القاصر، أي التي يزيد عمرها عن 13 سنة، لأن البنت تعتبر طفلة قبل ذلك العمر. وفي أمريكا وأوربا يعتبر إقامة عملية جنسية مع قاصرات جريمة اغتصاب حتى وإن كانت بموافقة الفتاة. واذا كانت بعلم وادراك العائلة فانها تقع تحت طائلة القانون واعتبارها متاجرة بالجنس، خاصة اذا كانت لقاء مكاسب مادية او معنوية. وفي حالات عديدة توضع الفتاة القاصر تحت الرعاية الاجتماعية مع إجراءات قانونية لضمان حمايتها الجسدية والنفسية والأخلاقية. وكانت هناك محاكمات عدة لرجال وشباب ممن أقاموا علاقات جنسية مع قاصرات انتهت بسجنهم لسنوات طويلة.
و يعتبر ذلك اغتصاباً لأن القانون الأوربي المتعلق بالقدرة العقلية لإتخاذ قرار يعتبر ان الفتاة دون 18 سنة لاتملك القدرة العقلية الكاملة للدخول في عقد للزواج. اما التي في التاسعة فانها في عمر الأطفال.
وهناك مسببات لهذا الموقف:
1. ان القاصرات يفتقرن الى النضج العقلي الذي يسمح لهم بتقييم الجوانب المترتبة على إقامة علاقة جنسية مع عقد للزواج او بدونه.
2. كلما قل عمر القاصر كلما ضعف نمو أعضائها التناسلية بما يسمح بإقامة عملية بعيدة عن المخاطر، خاصة عندما يصاحب العنف العملية الجنسية.
3. الأعضاء التناسلية غير مؤهلة لتقبل الحمل والذي يشكل خطرا على القاصر والوليد ويعرض القاصر الى مضاعفات الحمل والولادة، ويعرض الطفل الى التشوهات الخلقية ومضاعفات الولادة غير الطبيعية.
4. القاصر تفتقد الوعي والنضج والمعارف التي تؤهلها ان تلعب دورها كامرأة وأم. فزواجها المبكر والوطء بها قسرا قبل البلوغ الجسدي النفسي سيعرقل نموها ونضجها النفسي ويزيد من احتمالات تعرضعا للحالات والأمراض النفسية، كما وتزيد من احتمالات عدم الانسجام والطلاق المبكر. والدليل موجود لدى وزارة العدل، وهو زيادة نسب الطلاق في العراق بسبب الزواج المبكر وغير المبني على الوعي والإدراك والتفاهم خاصة عندما يزيد احتمال الإسقاط المبكر والإجهاض والتشوهات الخلقية فيصبح الطلاق تهربا من مسؤولية إعالة الاسرة.
5. ان المطلقات من القاصرات يشكلن حالة استثنائية بحاجة الى الدراسة والبحث في تبعاتها الاجتماعية والنفسية والإجرامية.
وللعلم فانه في حالة إقرار هذا القانون سيتعرض العراقيون من مزدوجي الجنسية ومن نفذوا أحكامه بإجراء عقود زواج مع أطفال او قاصرات، او الوطء بقاصر وفقاً لصيغة هذا القانون، الى جملة من الإجراءات القانونية الجرمية وبضمنها الاعتقال والتقديم للمحاكمة. فالقانون البريطاني مثلا لا يسمح بممارسات تتعارض وقوانين البلد. فهو يمنع الرجل المتعدد الزوجات من الزواج بأكثر من امرأة. اما العلاقة الجنسية مع الأطفال والقاصرات فهي خط احمر.
ويثار التساؤل الجدي كيف يمكن لوزير العدل ورئاسة الوزراء القياك بتشريع هذا القانون، وما هي نوعية ومهنية الخبراء والمختصين الذين ساعدوا على صياغته. الاستنتاج الذي توصلت اليه انه قانونا تمت صياغته باستعجال تحت اجواء الحشد والتجييش الطائفي ولتكريس الطائفية المقيتة في النسيج الاجتماعي العراقي. بل والأكثر من ذلك انه إساءة للمذهب الجعفري ذاته عبر قراءات سلفية متشددة تشوه جوانبه الانسانية وهي عديدة في داخل مجتمعنا العراقي او في الخارج، ويسلّم لأعداء العراق هدية على طبق لتشويه سمعة العراقيين وأخلاقياتهم و أصالتهم.

* استشاري في الصحة النفسية ومستشار في وزارة العدل البريطانية