المنبرالحر

ويعودون الى الترشيح / عبد المنعم الاعسم

انهم يغنون من على كومة الخراب.. هكذا ندد الموسيقار اليوناني تيودوراكيس بمرشحين للبرلمان كانوا قد خربوا ثقافة الناس، واحتالوا على فطنتهم، وغطوا للاستبداد العسكري كل جرائمه، الامر الذي يحدث لدينا، بالعرض والطول: نواب تفننوا في الدجل والترزق على ابواب العواصم، وافتضحوا، ثم يعودون للترشيح الى السباق الانتخابي الجديد.
اخص منهم الذين تربعوا سنوات اربع على اقدار وانفاس الملايين، واخص فيهم مَن اضاع (ولا اقول لطش) ثروتنا الثمينة وعرقنا النبيل، ونسيّ (ولا اقول لطع) الوعود التي قطعها للناخبين عشية آخر انتخابات، فكان "عرقوب" مجنيّ عليه بالمقارنة معهم، إذ أهانوا الدموع التي سفحوها على المحتاجين، فكانت التماسيح ملائكة بالنسبة لهم.
ايها المرشحون، العائدون، الذين يبتسمون لنا من فوق اعلانات انتخابية باهرة، وباذخة، ممن كانت لكم بصمات سوداء على متاعبنا اليومية الناجمة عن التفجيرات وشحة الماء الصافي وانقطاع الكهرباء، وتردي العناية الصحية والاستشفاء، وضيق السكن، والغلاء، والبطالة، واعمال النصب، والرشوة، والفساد والإفساد، والتهريب، والتجارة باصواتنا وآمالنا الطيبة.. انكم لتحتاجون الكثير من الجهود لاسترداد ثقتنا وكسب(ولا اقول اختطاف) اصواتنا، بعد ان ضُمنت لكم حياة الرخاء وحُرّمت علينا، وتبخترتم بالنعيم وتركتم لنا الجحيم، ولذتم بالبنايات المحصنة والحمايات المتراصة وتركتمونا طعما للتفجيرات وانتقام البرابرة وفلول عصر البعث وقطعان الدشاديش القصيرة والانتحاريات المحشوات بنشارة الخشب والحشيش.واغتيالات المليشيات الطائفية.
انكم، واقصد المقصرين منكم حصرا، وما اكثركم، مطلوبون لحسابنا وعدالتنا عن مسؤوليتكم عما حصل لنا طوال هذه السنوات العجاف، إذْ قضيناها في تشييّع طوابير الضحايا، والانتظار الطويل لمنّة البطاقة التموينية، وإذلال مكاتب تعيين العاطلين وزجر حراسها، وقضيناها، ايضا، في الظلمات الدامسة، وعلى صفيح الخوف من المداهمات العشوائية، ومن عمليات "المقاومة" الهمجية، فلم نجد منكم عونا، ولا حضورا، ولا خشبة نجاة او شفاعة، فقدموا صفحاتكم، ايها الاخوان، واعرضوا جيوبكم على الملأ، واكشفوا لنا دليل الحرص والنزاهة والغيرة والشهامة التي تدعون.
وانكم (ولا اشك في مقاماتكم ومنابتكم)قد حولتم المكاتب الى تكيات، وتركتم الادارات والبرامج وخطط التنمية واعادة الاعمار واحياء المشاريع طي الصفقات والكسب الحرام، وكنتم السبب(ولا اقول الوحيد) في تضييق شهية المثابرة وفرص العمل على ابنائنا الى حد باتت وظيفة شرطي لأحدهم بعيدة المنال من غير رشوة تصل الى ملايين من الدنانير، ووظيفة معلمة لا تمر إلا عبر وكلاء وُهبوا فنون اكل الاكتاف، أما وظيفة مدير فانها محتكرة للمتحدرين من عظم الرقبة، وسهلتم لعتاوي الجريمة المهذبة السطو على المليارات و"خطوط" المساعدات الدولية.
كونوا، ايها الاخوان، منصفين معنا لمرة واحدة بالاعتراف باخطائكم.. انظروا الى اي حد نحن مهذبون وطيبون إذ نسمي الخطايا اخطاءا، والى اي حد نحن اوفياء لخيار التغيير والحرية والديمقراطية إذ نتحدى قوى الردة وفلول طبول الحرب وعصابات الجهل والارهاب، فنخرج الى هواء التصويت الحر..
وتذكروا ان اصواتنا، هذه المرة، عزيزة علينا.. معزة دمع العين، ومن العيب عليكم ان تظهروا امامنا مرة اخرى.
لقد وضعوا الصفيق بنار جهنم فصرخ: اني اموت من البرد.
*********
""البلبل لا يبني عشا في القفص حتى لا يورث العبودية لفراخه".
جبران خليل جبران
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينشر بالتزامن مع جريدة (الاتحاد) الغراء