المنبرالحر

خواطر على هامش ثمانينية الحزب الشيوعي العراقي / د . فالح الحمراني

الشعوب تمجد روادها وطلائعها والقوى التي تحرث وتمهد لها طريق التقدم والارتقاء والتحضر والارتقاء في سلم الانسانية، والحزب الشيوعي العراقي كحركة شعبية وسياسية وفكرية شاملة، يستحق باقتدار أن يمجد على مستوى وطني بمناسبة ثمانينيته هذه نظرا للادوار التاريخية التي لعبها في مسيرة تاريخ العراق الحديث وتركيبته الاجتماعية.
واثرت الحركة الشيوعية العراقية في ذهنية الانسان العراقي وفي مسار ايديولوجيات حركاته الاجتماعية واحزابه السياسية وتياراته ومدارسه الثقافية. ان ضيقي الافق السياسي وحدهم من يوجهون الانتقادات المتعسفة للحزب الشيوعي العراقي، انهم عديمو البصر لانهم يتجاهلون الظروف القاسية التي احاطت بالحركة الشيوعية العراقية وتكاتف كل قوى الظلام والردة عليها بشعارهم المعروف « يا اعداء الشيوعية اتحدوا».
الحزب الشيوعي العراقي بحق القوة السياسية الرئيسية التي طرحت من خلال برامجها مشروعا حضاريا وتقدميا لبناء النظام السياسي في العراق وتجمله بشعار «وطن حر وشعب سعيد». ان مشروع الشيوعي العراقي تجاوز المشروع الاقطاعي والعشائري والطائفي الديني والقومي ليرتقي الى مشروع الانتماء الى الوطن الواحد الى الشعب الواحد، شعب العراق، ومكونه الرئيسي العمال والفلاحين قوى البناء والاعمار والانتاج. ولذلك وجدت الاقليات القومية والدينية بالعراق في الحزب الشيوعي العراقي حاضنة آمنة لتأمين حقوقها القومية وانخرط ممثلوها باعداد غفيرة في صفوفه وتعاطفوا معه. ان اعتماد الحزب الشيوعي العراقي على التفسير المادي للتاريخ وبالاخص الصراع الطبقي، غدا حالة متقدمة نوعيا في استيعاب تاريخ العراق كله وليس الحديث وحده. وحدد من خلال ذلك خريطة الطريق للتطور الاجتماعي والمراحل التي يمكن وينبغي تجاوزها لإقامة دولة العدالة الاجتماعية العراقية. تميز الحزب الشيوعي العراقي في طرحه ببرامج وطنية تأخذ بالاعتبار الخصوصية العراقية، بما في ذلك التشكيلة القومية والدينية للبلاد، ومن هنا رفض هيمنة حزب واحد او شريحة وطائفة وقومية واحدة، داعيا لان يكون العراق بيت الجمي? وملاذهم.
كان الحزب الشيوعي العراقي رائدا في تعميق الوعي الطبقي لدى الطبقة العاملة وتنشيط حركة الفلاحين وجر البرجوازية الصغيرة نحو الحركة الشعبية. وبفعل نشاطه انبثقت النقابات والجمعيات والاتحادات، كمكونات مثلت المصالح المهنية والدفاع عن حقوق منتسبيها بغض النظر عن ميولهم السياسية واسست عمليا لاقامة المجتمع المدني. ولعبت التنظيمات النقابية والشبيبية والنسوية التي كان للحزب الشيوعي العراقي فيها دوراً في مختلف الاوقات بالدفاع عن حقوق العاملين في مؤسسات القطاع الخاص ومؤسسات الدولة. ووقف الحزب الشيوعي منذ تأسيسه دعامة قوية لمحاربة الاقطاع . ونجح في إنماء الوعي الطبقي لدى الفلاحين وضم نضالهم لكفاح الطبقة الكادحة لبناء دولة العراق الشعبية. وكان الحزب الشيوعي العراقي وراء المآثر الثورية والانتفاضات الفلاحية على الظلم والجور التي شهدتها مختلف انحاء العراق.
لقد خاض الحزب معركة شرسة من اجل حقوق المرأة ومساواتها بالرجل وتهيئة المناخ الاجتماعي المناسب لكي تؤدي دورها في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وان تعبر عن ذاتها وتجسد شخصيتها بالعمل البناء والمثمر. ان التزام الحزب بحقوق المرأة جاء على خلفية الصراع الذي دار، بل وما زال يدور بين ان تتحول المرأة وفق القيم الرجعية والمحافظة الى تابع ومهمش وخاضع للرجل وان يشل دورها الاجتماعي، وبين القوى التقدمية التي تحترم المرأة وتدعو لاندماجها في مجمل مسارات الحياة. ومن خلال نضاله على هذا الصعيد ربى الحزب مناضلات مجيدات من مختلف الشرائح الاجتماعية، عملن في صفوفه، ودفع المرأة للمطالبة بحقوقها كاملة وبرزت الصحفيات والشاعرات وكاتبات القصة والمبدعات في الفن التشكيلي. وفي ذاكرة كل عراقي اولئك الشيوعيات اللواتي ساهمن باقتدار في كل مجالات المجتمع.
وبفضل الحزب الشيوعي العراقي تطورت العملية الابداعية سواء في مجال الادب بنطاقه الواسع والفنون التشكيلية في العراق، وتوجيهها نحو الالتزام بقضايا الشعب بابداعات ذات مستوى فني رفيع. ان اهم الاسماء التي ظهرت نجوما في سماء الابداع العراقي كانت محسوبة على الحزب الشيوعي العراقي، اهم كتاب القصة والشعر والفنانين التشكيليين كانوا اما شيوعيين او قريبين جدا من الحزب. واصدر الحزب المجلات الثقافية التي تميزت بمستوياتها الرفعية، والتي عكست على صفحاتها افضل نتاج الابداع المحلي وعرفت بالثقافة العالمية.
لقد برهن التاريخ على صحة مواقف الحزب الشيوعي العراقي في الكثير من القضايا القومية والاقليمية، بفعل نظرته العلمية وقراءته الواقعية للساحة السياسية. وقدم الحزب على لسان مؤسسة الخالد يوسف سلمان ( فهد) مشروعا وحدويا واقعيا وناجعا للتكامل الاقتصادي والانساني والاقتصادي للدول العربية، وناضل الحزب من اجل القضية الفلسطينية ولكن بالوسائل الفعالة وليس من خلال الخطاب العاطفي والفارغ الذي ادخل القضية « المركزية» التي خانتها وتخونها الانظمة العربية يوميا، في طريق مسدود. وتفاعل الحزب مع حركات التحرر العربية في مصر والجزائر وسوريا وايران وسائر دول المنطقة، من اجل التحرر الوطني والاستقلال وبناء انظمة شعبية ووطنية تنهي استغلال الانسان للانسان وتوفر الحياة الكريمة للجميع. كما طرح الحزب حلا موضوعيا للقضية الكردية، وهو الحل الاكثر موضوعية الذي يحافظ على وحدة ارض العراق والحقوق القومية للاكراد.
ولم تعرقل مسيرة لحزب وسيروته تعرضه للانشقاقات والمؤثرات الخارجية. فالحزب ككيان حي وحيوي تفاعلت وتناقضت احيانا فيه المواقف من رسم التاكتيك وتحديد الاستراتيجية والاستجابة للمتغيرات في المجتمع والعالم. الارادة القوية مكنت الحزب من التغلب على الصعوبات والكوارث التي تعرض لها ليخرج معافي ويواصل مسيرته بروح جديدة « فتية» من أجل قضيته باقامة « وطن حر وشعب سعيد».