المنبرالحر

تأملات في العودة الى ينابيع المستقبل !/ رضا الظاهر

يوم نهضت تلك الخلايا الأولى في الناصرية كان ثوريو بلاد الرافدين يعلمون أن نوراً سيغمر الوديان والسهول، مثلما يغمر الأرواح والضمائر .. وما انطفأ المشعل منذئذ .. وها هو اليوم ينير دروب الثمانين حيث مواكب النساء والرجال التوّاقين الى الحرية والعدالة، والسائرين، كتفاً الى كتف، عائدين، على الدوام، الى ينابيع المستقبل، وحاملين، على الدوام، رايات أمل الاطاحة بالعالم القديم..
نحتفي بإرث الكفاح الممتد من تلك الخلايا والجذور، ونحن نتطلع الى ضفاف أرحب أفقاً .. وعندما نحتفي لا نقف بكّائين على الأطلال, إنما نحلم، ونستلهم، ونعمل .. ونهزّ، نحن ضحايا الاضطهاد، عروش عالم الاستعباد والخنوع والظلام .. نسير رافعين مشعل التنوير ذاته الذي رفعه معلمنا الأول، ماركس، وهو يضيء انتفاضة مقتحمي السماء، حيث اختلطت هتافات صانعي الكومونة بأناشيد الطريق المفتوح..
وفي تاريخ كفاح يمتد، عبر جسور المآثر، من حيرة جلجامش حتى أحلام كامل شياع، نتحسس مآسي البشر وصلاتنا الحية بمعاناتهم .. ونحتفي بنقد رأس المال سبيلاً الى اقتلاع جذور الراهن .. نعيد النظر بأفكارنا وخطانا، ونحن نمضي، متواضعين ومجدّدين ومتحدّين، بربيع الأسئلة، وروافد المعرفة، وأطياف الرأي، ووضوح الرؤية، وأجراس التنوير، وقيم الجمال، وغضب الثوريين، الى الأمل الذي يدلّ خطواتنا الى ما ننشد .. الى ينابيع المستقبل..
اجتزنا جسوراً من أشواك ونحن نمضي في المسير، غير هيّابين، الى تلك الضفاف التي تنتظرنا، حيث لا ترسو سفن إلا لكي تبدأ الرحيل محملة بآلام الناس المريرة وأشواقهم العادلة، يرفع راياتها شيوعيون أرقّاء ومعتدلون مثل أشرعة !
نحن الذين نستجيب لنداءات المظلومين، ونقرع أجراس بناة العالم الجديد .. نحن الذين نسير في هدي ذلك المثال الذي جسده روادنا، منيراً على نحو لا نظير له .. نحدّق في الأشرعة فنراه مع النوارس .. نتطلع الى الشهداء القديسين فنراه في الآفاق التي أنارتها قناديلهم .. ننظر الى عشب الذاكرة فنراه في جمر الروح .. نتأمل آخر الفراشات فنراه في آخر الزهور .. ننظر الى المجد فلا نجد سواه يليق به ..
نحن من بوسعهم أن يدلّوا خطوات المحرومين الحيرى الى تلك الدروب التي تفضي الى ضفاف يخسرون فيها أغلالهم ..
نحن من بوسعهم أن يتوسلوا بندى الأمل حتى يبلل عشب الثورة الناهض توقاً الى فجر التاريخ الحقيقي للانسانية ..
تلك كانت أيامنا .. وستأتي أيام لنا في ربيع الرجاء .. وفي ظل راياتنا يسير الملايين مع مجد الكفاح، مؤتلفين ومختلفين، تنساب الأنهار وئيدة من أجلهم حتى يكملوا أغانيهم في البلاد الي تطوقها المحن، وهي ترتّل قداسها بلا منشدين !
أنتم أيها الشيوعيون، الشباب منكم خصوصاً، عليكم، إن شئتم أن تكونوا شيوعيين حقيقيين، أن تنهلوا، دائماً، من تلك الينابيع حيث ظل الساعون الى تغيير التاريخ يحلمون بالاطاحة بعالم رأس المال .. وأن تتحلوا بالروح الثورية، وهي تستوعب القيم الجمالية الرفيعة، والمعرفة النقدية العميقة، والسلوك التقدمي المتحضر، والعيش وسط الناس وتمثل معاناتهم والتعلم منهم والسير في طليعتهم، وأنتم تقدمون ذلك المثال المضيء في الفكر والعمل .. واعلموا أنه ما من شيء يضاهي صيتكم وأنتم تجسدون رجاء الثائرين ..
ومادمتم تبحثون عن ربيع فلابد أن تتحملوا تأخر الخريف وعواصف الشتاء .. وعندئذ سنكون معاً متدفقين في فصل الروح العاشقة ..
كونوا على يقين من أن عيون الضحايا الخزّر لن تنام .. وأصوات الاحتجاج لن تصمت .. ورايات المسير لن تنتكس .. وروافد الأمل لن تنضب ..
نوركم يغمر المنعطفات والسواحل منساباً من مرافىء التاريخ حيث تستريح المراكب إيذانا برحلة العاشقين صوب تلك الضفاف ..
نحن الذين نمضي تحت ظلال من الأرق المضيء يلزمنا عالم أرحب .. نعيش، أبداً، بأمل أن نعود الى ينابيع المستقبل حتى نبني العالم الجديد ..
أيتها الرفيقات .. أيها الرفاق ..
لكم زهور الأمل .. والتنوير .. والينابيع !
أقبّل جبينكم .. وأمنحكم يدي !