المنبرالحر

مع الجواهري بعيدا عن السياسة والادب !! (14)/ كتابة وتوثيق: رواء الجصاني

58- الجواهري بضيافة ابي جهاد
يزورالزعيم الفلسطيني خليل الوزير "أبو جهاد" براغ، في النصف الثاني من الثمانينات الماضية، لاجراء محادثات ، غير معلنة، مع الجهات السياسية الرسمية، ويشمل برنامجه الخاص لقاء مع الجواهري، الذي اصطحب معه ابنه "نجاح".. وبحضور سفير فلسطين سميح عبد الفتاح، وعدد محدود من اعضاء الوفد الزائر. وبحسب ما توفر من معلومات فان من اهم ما تناوله اللقاء، العتب الجواهري الشديد على نشر مجلة" فلسطين الثورة" موضوعاً، لشاعر سوري، اساءت للشاعر الخالد، وقد حمل ابو جهاد معه خلال اللقاء، اعتذارا فلسطينيا رسميا، حول ذلك الامر.... ويروي "نجاح" ان اهتماماً بالغاً أُحيط به الجواهري خلال اللقاء، اعتزازاً بمكانته، وتقديراً لعبقريته.

59- الجواهري "يَــلحَن" بالعربية !
في الطريق مع الجواهري، بالسيارة، الى منتجع" كارلوفي فاري" الذي يبعد نحو ساعة ونصف عن براغ، وبعد احاديث و"ومناكدات" تقصدت ان أسمعه شريط كاسيت، لمختارات من بعض قصائده المحببة اليه، وبالقاء غنائي جواهري- حداء نجفي- كان يُوزن شعره عليه، ليعرف ان كان فيه خلل أو زحاف، ولا تخرج القصيدة للناس إلا بعد ذلك، بحسب العديد من تصريحاته ..
وكنت اسمع بين برهة واخرى، خلال سماع الكاسيت، آهة من الجواهري تتبعها ثانية، وعلى مدى ربع ساعة تقريباً. ثم وبلهجة ممتعضة، طلب مني ان اغلق الشريط مع كلمتين: " فُكنه، كافي" . وقد حدست السبب، بل وكنت أتوقعه حتى... ثم فاجأته بالقول: ما رأيك بأسلوبي وطريقة تقليدي لك في الحداء؟... فأخذ نفساُ وصاح:
لمَ لمْ تقل ذلك من الأول؟ كدت أتفجر، فأنا لا يمكن ان ألحَن.. وقد كنت
بين مصدق ومكذب نفسي بأن هذا التسجيل لي، ومع ذلك فقد أجدتَ
في التشبه يا "..........." !!.
وأذكرهنا واقعة ذات الصلة، وهذه المرة مع مريد الجواهري، وتلميذه، محمد حسين الاعرجي، وكنت معه، وكفاح، نجل الشاعر الخالد، في غرفتين متجاورتين، باحد فنادق أربيل، خريف عام 2000 مشاركين في الاحتفاء بمئوية الجواهري .. وإذ بي أسمع الاعرجي منتحباً، حين كنت أتغنى" أحدو" ببعض ابيات "دجلة الخير" و"قلبي لكردستان" على الطريقة الجواهرية – النجفية.. وترجاني ان أتوقف عن ذلك لأنه لا يتحمل المزيد من الأستذكار للشاعر الخالد.

60- سفير عراقي يفشل في استثارة الجواهري..
روى لي الجواهري ذات مساء في اواسط الثمانينات الماضية، ان باهر فايق، سفير العراق لدى براغ في الستينات، ألح عليه لتلبية دعوة عشاء في بيته، وبعد ان عرف اسماء المدعوين، وهم جمع محدود من الشخصيات والاصدقاء، وافق على حضور تلك المأدبة.
وخلال الجلسة لاحظت- والحديث للجواهري- ان صاحب الدعوة يتصرف معي بشكل غير طبيعي، من قبيل انه يُضيّف الاخرين قبلي، ويقطع حديثى عندما كان الاخرون يُنصتون، وهكذا. وإذ تكررت الحال، هممت بمغادرة الجلسة، ممتعضاً، واذا بباهر فائق، يحول دون خروجي، ويخاطب المدعوين: لقد فشلت خطتي المقصودة، فلقد أردت ان أغضب شاعرنا الاكبر، لكي احصل على بيت هجاء منه، بعد ان يأس من بيت مديح، وأذ به يضنّ علي حتى بذلك. ... ثم اعتذر عن المقلب الذى لم ينجح، واستمرت الجلسة أخوانية.

61- الجواهـــري.. ولغة الثيـــاب
كتب الينا "محب" انه تمعن في الصور المنشورة للجواهري، في السبعينات والثمانينات الماضية، وتبين له ان اربع بدلات فقط، ظهر بها الشاعر الخالد طيلة ذينك العقدين: واحدة بنية اللون، وثانية رمادية وثالثة "مخططة" والاخيرة سوداء . ولم يعلق- المحب الراصد- سوى بجملتين أو ثلاث: هكذا هو الرمز الذي شغل الدنيا والناس، بعيداً عن "الموديلات" والاربطة الموشاة، والقمصان المطرزة، وغيرها من مكملات..
ونضيف: ان ذلك حقاً كان واقع الجواهري، فلم يهتم كثيرا بتلكم "الاضافات" التي يراها البعض ضرورية لاستكمال الشخصية.. وقد بقي بأقل "أنـــاقة" مفتعلة، مستنداً الى "أناقــة" شخصيته، وشعره، وسلوكه الانساني ..
وما دام حديث الملابس سالكاً، دعوني أشهد ان الجواهري، في فترات بقائه لوحده في براغ، كان يغسل ثيابه- عدا البدلات- بنفسه، وينشرها، مع بعض كواء احيانا، وهن محدودات، وبسيطات، ولنقل تقليدية، لتقريب الصورة ... وهاكم ما كتبه هو عن بعض ذلكم الشأن عام 1977:
شَمّرتُ أرداني لنصفِ، وَغَسَلتُ أثوابي بكفّي
ونشرتُها للشمسِ للنّــظراتِ، للأرواحِ تَسفي..
وظللتُ أرمُقُها باسجاحٍ، وترمُقُني بعُنف
لغةُ الثيابِ عَرَفْتُهـا، وأجدتُها حَرفـاً بِحَرْف
لم أنخـدِعْ برفـيـفِـهـا، عِلماً بما تحتَ المِــرَفّ
فلَطالَمـا خَفَقَتْ على شرِسٍ، كجلدِ "الفيل" جِلف
ولطالمـا خَلقتْ على، سَمْحٍ كضوءِ الفجر عَفّ....
----------------------------------------
وللحديث صلة، في الحلقة الخامسة عشرة