المنبرالحر

كولبنكيان / ابراهيم الخياط

يعد ملعب الشعب الدولي هدية منه، مع قاعة المتحف الوطني للفن الحديث بساحة الطيران، فضلا عن مساهمته في بناء مدينة الطب. انه كالوست سركيس كولبنكيان، رجل الأعمال الأرمني الذي ولد في اسطنبول عام 1869 وشيّعته لندن عام 1955، وكان في زمنه من أغنى رجال العالم.
أرسله والده ليدرس هندسة البترول في لندن، ثم قصد باكو لدراسة الصناعات النفطية الروسية، ليهاجر أواخر القرن الـ 19 مع عائلته من الدولة العثمانية إلى القاهرة، ولينتقل بعدها إلى لندن ويعقد عام 1902 صفقات بترولية تؤهله لاكتساب الجنسية البريطانية. ويتوسع نشاطه وتفتح الابواب أمامه عام ١٩٠٧ حين يساعد في اندماج شركتي (رويال داتش) و(شل)، فيحصل على أسهم في الشركة الجديدة لقاء ذلك.
وفي عام 1912 يكون هو العقل المدبر وراء إنشاء شركة البترول التركية، وهي مجموعة من كبرى شركات النفط الأوروبية، بهدف التنقيب عن النفط وتطويره في ولايات العراق ضمن الإمبراطورية العثمانية.
وبعد وقوع العراق تحت الانتداب البريطاني، جرت مفاوضات ساخنة ومطولة انتهت بالسماح لشركة النفط التركية بالتنقيب، فتم اكتشاف احتياطي كبير في (بابا كركر) بكركوك، وتم التوصل عام 1928 الى ما سمي «اتفاق الخط الأحمر». فحددت أسماء شركات النفط التي لها حق الاستثمار، واكراما له حفظت الشركات نسبة 5 بالمائة من الأسهم له، وليتغير اسم الشركة عام 1929 إلى شركة نفط العراق. وفي الواقع، اراد نوري السعيد أن يمنحه كامل امتياز النفط العراقي، إلا أن كولبنكيان رد بحكمة امبريالية: «أفضل قطعة صغيرة من فطيرة كبيرة على قطعة كبيرة من فطيرة صغيرة».
اكتسب الحصانة الدبلوماسية كوزير للعراق في باريس، التي غادرها إلى لشبونة عام 1942، حيث عاش حتى وفاته في جناح بفندق فخم، فنقل جثمانه الى لندن ليدفن في كنيسة القديس سركيس الأرمنية.
لم يعش كولبنكيان حياته لاهثا وراء المال والبترول فقط، بل كان شغوفا ومحبا للجمال، وكان جامع تحف من الطراز الرفيع. وقد اقتنى مبكرا المسكوكات والقطع النقدية القديمة، ومع الزمن اصبحت لديه مجموعة منتخبة وفريدة من التماثيل والاثار والحلي والاحجار والعاجيات واللوحات والاعمال الفنية، حاول ان يجمعها بمتحف في لشبونة. ولكن في سنة 1969، بعد وفاته بأربعة عشر عاما وفي الذكرى المئوية لميلاده، وافقت الحكومة الفرنسية بمبادرة من وزير ثقافتها ـ آنذاك ـ الاديب أندريه مالرو، على افتتاح متحف كولبنكيان في باريس.
ولأنه كان يطالب بـ 5 بالمائة من أسهم شركات النفط التي يساعد في انشائها، ويتقاضى ارباحها من عائدات النفط، فقد اطلق عليه منذ ذلك الحين لقب «السيد 5 بالمائة«، ولم يدر في خلده يومها أن بغداد عاصمة الثقافة العربية ستطلق لقبا يتفوق عليه، ألا هو "السيد 10 بالمائة".