المنبرالحر

«شَتانه بين آنه و آنه»..! / مازن العاني

«أرعش ما أرعش هذا آنه» إهزوجة اقترنت بثورة العشرين وإرتبطت بصفحاتها المشرقة. الكثيرون ينسبونها الى الوطني الثائر شعلان ابو الجون شيخ عشيرة بني حجيم في الرميثة، و يذكرون انه رد بها على الحاكم البريطاني حين مثل امامه في بغداد ، وكان شعلان يعاني، على ما يبدو، من رعاش خفيف في يديه، فأراد الحاكم البريطاني غَمزَهُ بالرعاش ظننا منه أنه سينال من ابو الجون، فرد عليه الشيخ الثائر باهزوجته، التي صارت مثلا للتباهي و البطولة و التحدي.
وللامانة لابد من الاشارة ان هناك من ينسب هذه الاهزوجة الى شيخ عشيرة آخر أسمه الشيخ شعلان العطية.
«آنَة» ابو الجون، أو العطية، تختزن شحنة هائلة من الثقة العالية و الكبرياء الساحر، وتحمل في ثناياها زخما وطنيا و طاقة اجتماعية تنزع نحو التحدي والتحرر، و نحو حياة رحبة بلا هيمنة او قيود سياسية و فكرية واجتماعية و دينية.
لكن للاسف وبعد قرن من الزمان وعلى نقيض «آنَة» أبو الجون، كانت «آنَة» «الحجية»، المسؤولة الجديدة لقاعة المسرح في البصرة، حين اطلت علينا قبل ايام من احدى الفضائيات بتصريح اقل مايقال عنه انه كان مستفزاً لكل محبي الثقافة و الابداع: (« آنه» منعت اي نشاط فني يتضمن رقص او غناء وملابس غير محتشمة لانها تتناقض مع تقاليدنا و قيمنا الاجتماعية و الدينية)!.
حقا انها محنة، حين يغيب الاختصاص و الموهبة ويزحف «التحاصص» ليطال ميادين الفن و الادب و الابداع عموما، و حين يجري تعيين مديرة لقاعة مسرح مصابة بحساسية من الحركات الايمائية الراقصة و النوطة الموسيقية و من شجن الابوذية. مديرة مسرح لو اجهدت نفسها قليلا في التمعن بقيمنا الدينية لعرفت ان ابو حامد الغزالي وهو أحد أشهر علماء المسلمين في التاريخ (1058م - 1111م)، هو من قال قبل الف عام «من لم يهزه الربيع وازهاره والعود واوتاره و الروض و اطياره فاسد المزاج ليس له علاج».
سيدتي الكريمة لا اظنك تجهلين الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، أحد افضل قارئي القرآن الكريم، لكن هل تعرفين انه كان عازفا للعود، عندما لم تكن اللحية فريضة و لم تكن الموسيقى حرام؟، و انه القائل إن القرآن موسيقى الروح، وقراءته تحتاج إلى التلوّن النغميّ؟. لهذا قام الرجل بدراسة الموسيقى. و هل تعرفين سيدتي أن عدداً كبيراً من المطربين والموسيقيين والأدباء المصريين كانوا أزهريين أو معمَّمين.?
أما عن قيمنا و اخلاقنا فسأستعين بالجواهري الكبير واحيلك الى شيء مما قاله في رائعة خص بها وزير داخلية العراق عام 1969، يوم شُنت حملة طلفاحية ظلامية على النساء و الفتيات بجريرة قُصر ملابسهن و تسريحة شعورهن :
تَرَى العفافَ مقاسَ أقمشة ٍ؟! ظلمت إذن عفافا
هو في الضمائر لا تُخاط ولا تُقص ولا تُكافى
من لم يخف عُقبى الضمير فمن سواه لن يخافا