المنبرالحر

الشخص غير المناسب للمكان المناسب / زهير كاظم عبود

الفشل في الأداء الوظيفي لاينسحب فقط على فشل الشخص في تبوء المركز الوظيفي او المنصب ، بل يتعداه الى هدر الزمن وتعويق دوران عجلة التطور والتقدم ، وحرمان الشخص المناسب من تبوء المركز .
والفشل في اداء الواجب وتحمل المسؤولية يعبر عن خلل في الاختيار وسوء في الفرز ، وقصور في رؤية المسؤول الذي تماهى وهو ينتظر كل هذا الزمن الطويل ليعرف فشل من اختاره لتقديم مايمليه عليه الواجب والضمير ، وهذا الفشل لايقتصر على تشخيص الفاشل فحسب بل ينسحب ايضا الى المسؤول الذي اناط به هذه المسؤولية وتحمل مسؤولية الاختيار .
ويلجأ الفاشل غالبا الى اطلاق الوعود الكاذبة ، كما يلجأ الى تحميل غيره جوانب عديدة من جوانب الفشل في العمل تبريرا لفشله ودفاعا ساذجا عن نفسه .
وتزخر الدولة العراقية اليوم بأعداد من نماذج الفاشلين الذين يتبؤون اليوم مراكز خدمية وحساسة ، وما يحزن النفس أن هؤلاء مستمرين بفشلهم لكنهم لم يزلوا متمسكين بمراكزهم ، والأكثر غرابة أنهم مع هذا الفشل الذريع ومعرفة الناس بهم إلا انهم مستمرين في اطلاق وعودهم وتصريحاتهم الجوفاء والطنانة ،ويتمتعون بجرأة وقحة في تحدي الناس والزمن والعراق .
ويوما بعد يوم يكشف لنا واقع الحياة العراقية أسماء مسؤولين فشلوا في أداء واجباتهم ولم يقدموا شيئا مع استمرار واقع الخدمات المزري والمروع في حياة العراقيين ، وبدلا من محاسبة هؤلاء وإخضاعهم للمحاسبة والمعاقبة ، وبدلا من فضحهم وكشف عوراتهم يتم التستر على افعالهم وفشلهم وزيادة على ذلك يتم تبرير فشلهم .
أن حالة الفشل التي نشهدها في اداء عمل بعض المسؤولين وهم يتمسكون بالمنصب الوظيفي باسنانهم واظافرهم تعبر عن فشل في بناء الشخصية ، وعدم قدرتهم على تحمل المسؤولية ، وعدم شجاعتهم في التخلي عن المنصب ، وعدم قدرتهم على التطور والأنسجام وتفهم مايريده ومايحتاجه المواطن العراقي اليوم من خدمات اساسية وضرورية ، ويشكل هذا الفشل هاجسا عميقا في فشل الشخصية وعقدة النقص التي تجد في المنصب الحكومي ما يحميها ويوقرها ويوفر لها ما لاتستطيع ان تحققه بتجردها منه .
مضت عشرة سنوات بالتمام والكمال ، تعني 120 شهرا ، وهي 3600 يوم ، منذ حصول التغيير حتى اليوم لم ينعم المواطن العراقي بالحد الادنى من الخدمات التي يتوجب على الحكومة توفيرها ، وعلى المسؤول تحقيقها ، ولم يتم محاسبة مسؤول ولا حكومة رغم العثرات والمطبات والأنفاق الهائل والمروع وتبعثر اموال العراقيين ، الخدمات التي يحتاجها المواطن العراقي في اساسيات حياته ، حتى بات من الاستحالة تحقيقها خلال قرن من الزمان امام فساد وسرقات وصفقات مشبوهة ومع وجود مسؤول فاشل لايتمكن من الظهور دون مركز وظيفي وحراس يحيطون به مع استمرار فشله وعدم قدرته على اداء الواجب .
غابت الحصة التموينية عن افواه جياع العراق دون ضجة ونامت بصمت ، ولم يعد احد يتذكرها ولا يحاسب المسؤول عن اخفائها وألاخفاق في استمرارها ، ولم تعد للبطاقة التموينية تلك القيمة والمنزلة ، ولم نعرف من هو المسؤول عنها ، وهذا الصمت المطبق يقابله عدم اكتراث ويأس وقنوط في نفوس الناس ، وشعور بعدم وجود رابط نفسي قوي يربطهم بالوطن المنهوب بعد ان ساهم المسؤول الفاشل في قتل هذه العلاقة الروحية وهذا الاحساس الجميل بالمواطنة .
ولم تعد الكهرباء مما يستطيع العراقي ان يحلم به في برد الشتاء ولا في حرالصيف اللاهب ، فقد امتدت اسلاك المولدات تلتف على اعناق المدن والشوارع وتخنق احلام المواطن الفقير ليقع بشكل دائم تحت رحمة المولدات التي غزت العراق كما يغزو الجراد البلاد ، وأدمن الناس الظلام والوحشة .
انتهت الصناعة الوطنية مع نهاية الكهرباء ، مثلما انتهت الزراعة مع استيراد الخضروات ومنتجات الالبان من البلدان المجاورة ، كما لم يعد يحلم المواطن بماء صالح للشرب ونحن نستورد المياه المعبأة بالعلب البلاستيكية من دول لم نجد لها انهار جارية ، مثلما انتهت معاملنا وصناعتنا انتهت احلامنا مع غياب الورود والأشجار من شوارعنا والحدائق العامة من محلاتنا ، فقد قتلوا احلامنا وباتت الحواجز الكونكريتية وسخام اللافتات السوداء شعارات ابدية نعيش تحتها ومعها ، وصارت العربات العسكرية والجنود والأنفجارات والأغتيالات وكواتم الصوت عناوين يومية نتعايش معها بعد ان فشل المسؤول في تحديدها وتقييدها وطردها من ايامنا وحياتنا .
فشل المسؤول في العراق وسيلة يحقق بها احلامه ويتمع بها بحرية عدم قدرته على اختيار قرار صائب ، ويتمتع بحصانة وحماية هذا الفشل وهو يوزعه على غيره ، ويمضي الزمن ولامن بارقة امل تعيد لنا ماسلبه المسؤول الفاشل من حياتنا ، حتى أن النزاهة اضحت موقفا وطنيا وهي المطلوبة والواجبة في الأداء والشخصية .
وسيبقى العراق يدور في دوامة الفشل ، ويعبر من فشل الى فشل آخر اكبر منه مادام المسؤول فاشلا ومتمسكا بقاعدة الكرسي سواء كان وزيرا او نائبا لرئيس الوزراء او وزيرا او رئيسا للجمهورية او عضوا في مجلس النواب او محافظا اومديرا عاما او موظفا ، ويبقى الفاشل لايتمكن من العطاء وغير قادر على الأبداع منغلقا على نفسه ليس له معرفة بطرق الأبداع ، الا ان الغريب الغريب ان هناك من يدافع عنه ويحميه ويبرر له لأسباب عدة نعرفها جميعا غير ان اخطر تلك الأسباب هو الأنتصار للحزب أو للكتلة التي ينتمي لها المسؤول الفاشل .
متى نحاسب المسؤول الفاشل في العراق ؟؟ ومتى نزيح الفاشل عن كرسي المسؤولية ؟؟ ومتى نضع الرجل المناسب في المكان المناسب ؟؟