المنبرالحر

بعير الحكومة / ابراهيم الخياط

قال القاضي للمتهم: تهمتك خطيرة ومصيرك السجن ..أجابه المتهم: سيدي، لكني سرقت حبلا طوله متر لا اكثر..
القاضي (باستغراب): معقولة؟ هل قدموك للمحاكمة لمجرد انك سرقت «وصلة» حبل؟
المتهم : نعم سيدي، وكانت في نهايته بقرة..
وهذا لا ينطبق على سرقات المسؤولين الحكوميين في عراق المحاصصة، فهم لا يوهموننا بالحبل القصير أي النسبة الضئيلة التي يدعون أنها مسموح بها في الصفقات الكافرة، ولا يخبئون البقرة الحلوب كما خبأها المتهم الفطير في أعلاه، بل يجعلونها بعيرا. فمسؤولونا الكبار لسان حالهم يقول:

وإني لأستحي من الله أن أ ُرى
أجرجر حبلا ما اليه بعير

لقد كشف ممثل الامين العام للامم المتحدة نيكولاي ميلادينوف ان العراق شهد نهب نحو 65 مليار دولار من امواله خلال السنوات العشر الاخيرة. وأشار في كلمة القاها في ملتقى بغداد الدولي بشأن استرداد الاموال المنهوبة، الى وجود احصائيات تبين أن الاموال هربت الى خارج العراق في اطار عمليات فساد اداري ومالي منظم.
في اثناء ذلك بدت هيئة النزاهة محبطة بسبب غياب المساعدة الدولية في إعادة أمولنا المنهوبة، داعية المجتمع الدولي الى اخذ دوره في محاسبة الدول التي تحتضن أموال العراق، لا سيما من انضم منها الى الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد. وقال رئيس الهيئة في كلمته التي القاها في الملتقى ذاته ان «نهب الاموال العامة وتداولها عبر الحدود ليس جريمة فحسب، وانما هو ظاهرة خطيرة، تهدد الكيان السياسي والاقتصادي للدول، فضلا عن انه تصرف يمس كرامة الشعوب».
واذا تساءلنا عن المهربين فانهم، بالتأكيد، ليسوا العتاكة ولا حرامية قناني الغاز، أو سارقي اطارات السيارات، أو قطاعة أسلاك خطوط المولدات. فهؤلاء غير قادرين على السرقة الفلكية وعبور الحدود واخفاء المليارات وتزوير الشخصيات. السارقون هنا والمهربون هم الناس الذين فوق، الممسكون بتلابيب الكهرباء والحصة التموينية والتعيينات والنفط والغاز والسلاح والعقود الخارجية والنسب المئوية، والذين يظهر العلم العراقي خلفهم في الصور.
لان المليارات تصرف على الجيش والشرطة والامن والطوارئ، ومع ذلك لا نجد أمنا ولا أمانا. وتصرف المليارات على الكهرباء ورأس الشهر نتحاسب مع «أبو المولدة». وتصرف المليارات والمليارات على المياه والشاي والسكر والرز والزيت والطرق والجسور والمستشفيات والمجاري ومن ثم نشتري الماء المعلب، ونسمع بالحصة التموينية ولا نراها، ونسير على طرق مكتظة بالحفر «المستدامة»، ويوميا تأخذ منا الامراض أعزاء بقدر ما تأخذ المفخخات. وأما المجاري فاننا لم نتسلم تعويض الامطار حتى الان، لان الحكومة تقول أن كل الصوج من المختارية، فلا تثقوا بهم.. «مو مني كل الصوج آنه من هلي والله.. ظلت الروح تلوج يساعدها الله».
واذا تابعنا نرى أن المختارية أبرياء، فقد روى لي صديق ان رئيس حكومة احد البلدان النفطية، المعروفة بانتشار الرشوة والفساد وسرقة اموال الدولة، كان في اجتماع مع وزرائه فرنّ هاتفه النقال. وعندما ردّ على المهاتفة اذا بزوجته تصرخ وتولول: يمعود تعال بسرعة، بيتنا انسرق..
نظر رئيس الوزراء الى وزرائه وأخذ يعدّهم واحدا واحدا ثم أجابها: غريبة أم فلان، الجماعة كلهم موجودين اهنا يمي..