المنبرالحر

الأزمات والبرامج الاقتصادية / محمد شريف أبو ميسم

على مدار السنوات السابقة ، عاش المواطن العراقي سلسلة متعاقبة من الأزمات ، التي اجتهدت في صناعتها القوى المتصارعة بهدف تحقيق أهدافها السياسية الضيقة على حساب مصالح البلاد والعباد .
وتنوعت هذه الأزمات ما بين وضع العصي في عجلة الآخر ،وهو في نطاق اداء مهامه الوظيفية بهدف عدم تجيير النجاحات في السوق الانتخابية ، وما بين الرسائل التأديبية والتلويح بقدرة هذا المتنفذ أو ذاك في الحاق الأذى بخصومه السياسيين ..فيما اختلف المتصارعون بشأن إدانة كرنفال تقطيع الأوصال اليومي، وبشأن حرمة الدم العراقي الذي يراق دون ذنب، بهدف إلصاق الفشل بهذا أو ذاك في إدارة شؤون البلاد التي ابتليت بشواذ السياسة، فكانت الدماء الزكية سلعة بامتياز في سوق النخاسة السياسية .
وعلى هذا فلا غرابة أن لا تعلن القوى السياسية التي تمثلت في المشهد البرلماني الذي يلفظ انفاسه، موقفها الحالي من تعطيل اقرار الموازنة العامة، فالقوى التي ترتهن لمثل هكذا وسائل للاطاحة بالآخر السياسي على حساب البلاد والعباد، من المنطقي أن توظف التعطيل الاقتصادي بهدف تحقيق الأهداف السياسية.. اذ ان أهمية المال مهما كانت ملحة لبناء البلاد ودوران عجلة الحياة فهي لا تؤجج رمادا في ضمير السياسي الذي يجيّر دموع الثكالى لصالح تخلفه وشذوذه الانساني .. وبالتالي فان خطورة عدم اقرار الموازنة بعد مضي ثلث العام المستهدف بالاقرار المالي، تعكس وجهة القوى السياسية التي ادارت ظهرها لقانون الموازنة باتجاه الحملة الانتخابية، معلنة وبكل وضوح انها لا تملك برامج اقتصادية أو خدمية، لأن ادعاءها بوجود مثل هكذا برامج محض طرفة تافهة، فالذي يعطل اقرار قانون الموازنة غير معني بتقديم الخدمات قطعا، وبتطوير القطاعات الاقتصادية، وغير معني بتوفير فرص العمل للعاطلين، وحتى بقوت الفقراء من الناس الذين يستجدي أصواتهم هذه الأيام باساليب مختلفة.. وهذه القوى هي التي كانت وراء تعطيل أخطر القوانين التي ساهمت في اشعال الأزمات وعرقلت حركة الاقتصاد، فالمشكلة بين المركز والاقليم كانت بسبب عدم اقرار قانون النفط والغاز ، الذي قدم بنسختين للبرلمان السابق في العام 2007 وبقي حبيس الأدراج حتى اللحظة، ومشاكل الخدمات التي كانت بسبب سوء الادارة والبيروقراطية ونقص التخصيصات ما كان يمكن أن تكون بهذه الحدة لو شرع قانون مجلس الخدمة الاتحادي، وقانون البنى التحتية. والفوضى السياسية العارمة، ما كان يمكن أن تكون لو شرع قانون الأحزاب، لأنه سيحد من التمويل الخارجي لهذه الأحزاب ويكشف عن عورة القوى التي تستغل المال العام والموجودات العامة. وفوق هذا وذاك، فان القوى التي ادارت ظهرها لمشروع قانون الموازنة العامة لا يمكن أن يكون لها برامج اقتصادية لأنها لا تفهم او لا تريد ان تفهم الى أين تسير البلاد في نظامها الاقتصادي فهي تارة تطالب برفع يد الدولة باتجاه اقتصاد السوق في ظل غياب التشريعات وارتباك علاقات السوق، وتارة اخرى تطالب بتدخل الدولة في كل صغيرة وكبيرة بدعوى الدفاع عن حقوق هذه الفئة أو تلك ، علاوة على انها معنية بتبدل المواقف على وفق الطائفة والفئة والقومية بحسب ما هو متاح (وفق برغماتية مقيتة) من أجل الوصول الى الأهداف والاستحواذ على الغنائم السياسية .. وبالتالي فان مثل هذه القوى لا تتوانى عن تجيير الاقتصاد لصالح أي مشروع يمنحها السلطة والنفوذ ، وبخلافه فانها ستبقى مصدرا للأذى والأزمات .. فهي تارة تبكي على حقوق وهمية منتهكة وتارة تغض الطرف عن سيل الدماء وتارة تمد أرجلها لمن يهب مسرعا لخدمة البلاد والعباد .