المنبرالحر

ليسوا مرشحين مدنيين وحسب / سرمد الطائي

ليس صحيحا ان قوى اليسار والاطراف الليبرالية تفتقد لجمهور قادر على ارسال مرشحين اقوياء للبرلمان، لكن السنوات الماضية ألقت بظلال اليأس على هذا الجمهور، بينما خربت احلامه كل غابات الاسلحة والسياسات المميتة التي تاه فيها الوطن، حتى شعرت شريحة المدنيين انها في زمان غير زمانها، ساعة تحسم البنادق كل السجالات، وتخوض الطوائف أكثر حروبها عبثية وقسوة.
ومن الناحية الميدانية لانزال في التيه ذاته، وان بتطورات ملحوظة، لكن بوصلة الصراعات يتملكها الانهاك والشك، فها هي الطوائف تنقسم بشأن الاسئلة وتسخر من الاجابات المتبلدة، بينما يحمل امراء الحرب على ظهورهم، عبء ١١ عاماً من الخطايا، وضعتهم كما لم يضعهم شيء من قبل، امام رصيد الوهم والموت الذي لهثوا في سبيله بعناد وظهروا في فنائه عراة عاجزين، مع كثير من المال والفضائح والتهافت.
في هذه اللحظة يدرك الخصوم التقليديون للتيار المدني، قبل جمهور التيار نفسه، اهمية الرؤى وبرامج العمل التي دعت إليها قوى الحداثة السياسية طوال سنوات، بل ان معظم المتشددين يستعيرون (ولا اقول يسرقون) شعارات التعايش والحرية وحكم القانون والاصلاح السياسي، التي رفعها التيار المدني انسجاماً مع نهجه الفكري المعروف وفلسفته في تدبير شؤون الجماعات.
وهذه «الاستعارة» تدعم وجود حاجة تاريخية للصوت المدني، هي حاجة تتعاظم وتتوضح، على اساس مجموعة اعتبارات. فليس التيار المدني مجرد قوة عابرة للطوائف في بلد منقسم دموياً، بل هو كذلك طرف محايد نادر، يمكن ان يستثمر قربه من الجميع في بناء وساطات وتصميم ضمانات، يسندها رصيد الثقة العامة التي لم يخدشها احد. واذا كان ممثلو التيار المدني لم ينهضوا بعد بمبادرات كافية في اطار ما تشهده البلاد من تناطح غير عقلاني، فإن اصواتهم ظلت رغم حضورهم الناقص، تشجع المعتدل على الجهر باعتداله، وتحرج المتشدد وتدعوه لمراجعة العناد والمكا?رة الفارغة.
وهل يسعنا غداة الاقتراع التشريعي الكبير، ان ننسى لحظة الصمت المطبق، التي خرقها صوت التيار المدني في شباط ٢٠١١، بوصفها لحظة احتجاج اولى نبهت الى موجبات الاعتراض، واستدرجت حماقات السلطة الى الشارع، وقامت بتعرية ناقصي الحكمة وفضح مفهومهم للتسلط والادارة، في وقت مبكر وقبل انكشاف الغطاء الذي تسبب به رحيل الاميركان؟
وهل يسعكم نسيان الوسطية والاعتدال في الشعارات والدعوات الاصلاحية لتلك الايام، وما لعبته من دور في صياغة الموقف الذي اكد ان الايمان بمشروعية النظام السياسي، لا يعني الصمت وعدم الانخراط في مطالب اصلاحه؟
حتى شهور سنظل ندرس مدى نجاح مرشحي التيار المدني، في تعبئة جمهورهم الواسع ولكن اليائس والعازف عن الاقتراع. وسنبقى نحلل اسباب النجاح او الاخفاق في ماراثون الانتخابات. لكن التعبئة الحالية وبغض النظر عن النتائج، من اكثر المناسبات جدية لإعادة التنبيه الى معنى الغياب المؤلم للروح الليبرالية.
وهذا التنبيه يفرض من الان فصاعداً، ان لا يقتصر حضور التيار المدني على مواسم الاقتراعات وحتى الاحتجاجات، لان غياب تيار الحداثة السياسية عن مفاصل السجال السياسي، كان مكلفاً للجميع، وبات من المصيري ان يدخل المدنيون مرحلة اكثر جرأة في تفاصيل العمل الوطني، لانهم الطرف الوحيد القادر على تشجيع معتدلين فاعلين نعلم بوجودهم في مختلف القوى الوطنية الاخرى، وقد جرى خلال مناسبات عديدة اختبار الاثر الطيب لهذا النوع من التحفيز والتضامن، في تخفيف سوء الفهم، وتسهيل الجهد المشترك داخل الحكومة والبرلمان وباقي مراكز القوى الاج?ماعية المؤثرة.
الاصدقاء الذين يترشحون اليوم على لوائح التيار الديمقراطي، لا يمثلون اغتراباً عن تطلع الجمهور، ولا هم طارئون على المشهد الذي لايزال مشوشاً، وهم ليسوا مجرد مرشحين، بل يعبرون عن خطوة جديدة ومثيرة وحاسمة، على طريق ابتكار منطق آخر لادارة الخلاف، وتصميم تسويات انقاذية كبرى هدفها تقليل الخسائر، ومحاصرة الوان الخداع والخراب، التي تتاجر بالازمة وتعيش على دمويتها، وتراهن على يأس الجمهور من امكانية التغيير.
ـــــــــــــــــــــ
«المدى» 22نيسان 2014