المنبرالحر

الناس وسطوة الماضي / طه رشيد

صحيح ان نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية الاخيرة التي جرت في الثلاثين من شهر نيسان الماضي، لم ترتق لتلك التي جرت عام 2005 ، ولكن هذا لا يعني ان الناس لم يكونوا معنيين بما يجري. بل على العكس تماما، لان جل اهتمام الناس كان على الانتخابات وأجواء الانتخابات والنتائج المتوقعة لها.
والناس لا تتحدث همسا بل بأصوات مرتفعة تقترب من الصراخ في كل مكان، في الشارع والأسواق والدوائر وسيارات النقل، ويشيرون بأصابع الاتهام لذلك الذي حاول ان تجري الانتخابات في اجواء غير طبيعية: ازمة خدمات، تناحر طائفي وتصعيد للشد الطائفي، تفاقم الارهاب وداعش وحرب المدن والمفخخات التي تحصد ارواح الابرياء. كل هذه العوامل شكلت اجواء ملبدة بغيوم لم تمطر سوى خيارات طائفية ومناطقية وعرقية للعديد من الناخبين، وشجعت على التقاعس بتأدية هذا الواجب الوطني نظرا لليأس الذي تسرب للنفوس وحال لسانها يقول « مو انتخبنا قبل اربع سنين واثمن اسنين، اشحصلنه؟» ولكن بقيت شرائح عديدة من شعبنا تعتقد ان مصلحتها الاساسية تكمن في التغيير، التغيير الفعلي الحقيقي وليس الشكلي.
على الحكومة المقبلة ان تعرف هذه الحقيقة وان تدرك بان جماعة "الياخذ امي اسميه عمي" اصبحوا فئة قليلة .. اليوم لا يشبه الامس بالمطلق .
ذكّر إن نفعت الذكرى : زمن الدكتاتورية قد قبر مع صدام. والمجتمع الذي كان يقبل بالعقوبة التي يمكن ان تصل للإعدام لمن يمتلك طابعة يدوية غير مصرح بها، يحتج اليوم لان الانترنيت قد تعطل لساعة او ربما لدقائق. كل شيء تغيّر، الناس لم تعد تسكت كما سابق عهدها، فهي تسب وتلعن وتشتم اي مسؤول لا يساهم بتقديم الخدمات المطلوبة . وحذار مستقبلا من البيض الفاسد ومن الطماطة التالفة ..
تتذكرون موقعة الجسر قبل سنوات ؟ .. جسر الجمهورية، وكيف استطاع المتظاهرون اختراق الحواجز الكونكريتية.. حذار من الشعب، فاذا ما جرح بكرامته فالويل الويل لمن كان السبب !
حذار فشعبنا يطوي تحت جناحيه شجاعة مصر التي ابعدت «الأخوان»، الوجه الآخر للطائفية، ويطوي تحت جناحيه أيضا، جرأة تونس بإقرارها دستورا جديدا يضمن الكرامة الحقيقية للوطن والمواطن. ولم تعد تنطلي الاكاذيب التي يسوقها بعض الساسة المحنطين بسطوة الماضي من خلال اتهام الآخر بالكفر او الزندقة . محاكم التفتيش نقطة معتمة في التاريخ الانساني، هذا التاريخ الذي كشف ولو متأخرا بان اباطرة الامويين وابناء عمومتهم من بني العباس باتهامهم خيرة علماء وشعراء ابناء العراق بالزندقة ما هو الا محض افتراء دفاعا عن كراسيهم التي لم يبق من حطامها سوى الرماد.