المنبرالحر

رحاب الثمانين / حامد الحيدر

ثمانون مضت .. منذ أن أوقدت للحرية شمعة حمراء توهجت بحدقات السائرين في سبيلها، راسمة حلماً وردياً جميلاً للأجيال القادمة.. خاتمة آذار كانت البداية معلنة ميلاد مدرسة الفكر و بوابة التضحيات . في ذات اليوم الذي انعتق فيه الاله تموز من سجنه في عالم الظلام . أي مصادفة تلك و أي قدر رافدي عجيب هذا أن تكون الولادة و الانعتاق من رحم المعاناة و الالم، لتباركهما عذوبة نسائم ربيع العراق، معلنة انتصار الحياة و بدء مسيرة أرض الرافدين نحو الشمس.
ثمانون .. من الفكر العلمي البعيد عن الطائفية البغيضة و التمييز العرقي و الديني و القومي و التعصب المذهبي الاعمى. غايته و هدفه الاسمى انسانية الانسان و المساواة الاجتماعية لجميع افراد الشعب، و ازاحة الحيف عن مظلومية المرأة و معاناتها و تمهيد مستقبل زاهر للطفولة المعذبة.
ثمانون .. و قوافل الشهداء السخية تملأ دروب النضال، لتجري سواقي الدماء الزكية بغزارة دونما توقف موازية لأمواه دجلة و الفرات، جعل واهبيها من حتوفهم (جسوراً للمواكب العابرة) الى ضفة يوم جديد.
ثمانون .. و معتقلات البطش الدموية السوداء تلتهم ايام المناضلين لتنسيهم رغد الحياة و ضياء الشمس، فزهدوا في كل شيء، و لم يعد يتملكهم سوى حب الوطن و التضحية من أجله، بعد أن انارت قلوبهم تلك الافكار النقية الطاهرة التي لا تبغي سوى رفعة الشعب و تطلعاته نحو الحرية، لتكون أغلالهم وقيودهم الثقيلة (مفاتيح مستقبل زاهر).
ثمانون .. و أهازيج المناضلين صداحه الصوت، سابحة مع مشاحيف الهور، رافعة المناجل معلنة سحق الاقطاع و الحط من جبروته، ليناجيها رصاص الانصار الأبطال في جبال كردستان الشماء متناغمة مع طبول الدبكات و صيحات الفرح لأحفاد (كاوة الحداد) و هم يحملون مطارقاً ثقيلة هشمت قصور (الضحّاك) و معيته الأقزام، موقدين مشاعل الحرية على القمم العالية، لتعلو معهم في شوارع و أزقة مدن الوطن هتافات الطلبة و العمال و الشبيبة اليافعة المطالبة بأسقاط الأنظمة الباغية و حكوماتها الطائشة التي استهترت بمصير الشعب.
ثمانون .. و المسيرة الباسلة متواصلة استحال انقطاعها، رغم المؤامرات و الاخفاقات و رغم ثقل الجراح و غورها . جيل يسلم غصن الأمل لآخر قادم بعده، ليظل الطموح يتجدد دوماً الى غدٍ لا بد أن (يحيينا أصيله على مهل) و أن طال الزمن.
يا صاحب الثمانين .. هرمت سنين الدهر لكنك تأبى المشيب، ليبقى برعم شبابك يانعاً معلناً ثورته على الزمن و دورته الأبدية، صارخاً هيهات أن تشيخ سنين النضال أو تثني الأيام أرادة المناضلين ..
طالما الصمود باق و عزيمة الغيارى راسخة ستبقى الهامات شامخة لا تنحني .. و سيبقى الطريق هو الطريق و الأمل هو الأمل .. بوطن حر أبي يعيش في ربوعه شعب فرح سعيد..