المنبرالحر

الإتحاد الأوروبي.. مثلا / قيس قاسم العجرش

في تشرين الثاني الماضي جمعتني طاولة مستديرة مع مبعوث الإتحاد الاوربي الخاص الى العراق الوزير المفوض "هوغ مينغارلي" بالإضافة الى السفير الفرنسي في بغداد وممثل عن مفوضية حقوق الإنسان وآخرين.
تحدث المفوض في البداية بشيء محبط للغاية، قال بوضوح أنه يزور العراق لأجل بحث ثلاث ملفات مع الحكومة العراقية، الملف الإقتصادي والملف الأمني وملف حقوق الإنسان.
المحبط جاء بعد ذلك،إذ اضاف "مينغارلي": إن الإتحاد الاوروبي لا ينوي(!) الربط بين الملفات الثلاث.
السؤال الأول الذي وجّهته كان بوضوح المفوض أيضاً إذ قلت له: إذن فالإتحاد الاوروبي لا يمانع أن يتعامل إقتصادياً مع الدول التي لا تحترم حقوق الإنسان..هل هناك حدود لهذا الإستنتاج أم إنه يقف عند دول الإنقلابات الأسبوعية في أفريقيا؟
السفير الفرنسي أدرك حراجة ما تفوّه به المفوض الاوروبي وعالج الموضوع بالقول :طبعا إن فرنسا تتبع معايير واضحة في تقييم الحريات في الدول التي تتعامل معها، وهذا يختلف عن الربط المباشر بين الملف الإقتصادي وملف حقوق الإنسان.
بعد ذلك صار الحديث مملاً للغاية، لأنه تلفع بكلمات دبلوماسية وجملاً حذرة كلما تطرقنا الى معنى التعاون الإقتصادي مع بلد دكتاتوري، وكان المثالان السوري والبحريني حاضرين كدليل للتناشز الفاضح.
فهمت ان الرجل ينوي إعداد تقرير خاص، لكنه مكلف الى جانب هذا بمهمة تعاونية خالصة مع الحكومة بغض النظر عن أية ملاحظة .
بعد الإنتخابات التي لم يجف حبرها حتى الآن، تصدر اليوم سفيرة الإتحاد الاوروبي في بغداد "يانا هيباسكوفا" رسالة عامة عن تقييمها لعملية الإنتخاب تحمل الجملة التالية:
"جلب الاتحاد الاوربي عدداً قليلاً من الخبراء المختصين بشؤون الانتخابات الى بغداد، وذلك لتحليل الانتخابات من الناحية التقنية. وقد كان احد الاستنتاجات التي توصلوا اليها هي انها تميزت بالتنافس, وان المصوتين اعطوا حق الاختيار".
هذه الجملة تبدو حذرة للغاية، وهي من طراز الجمل التي يكتبها الدبلوماسيون المدركون لوجود مصالح إقتصادية لا ينتوون خلطها بأي شيء آخر، تماما كما سبق أن قال المفوض مينغارلي.
لكن هذا الاداء الدبلوماسي لا يكسب قلوب الناس ولا يمد أواصر الثقة بين الشعوب. كيف يمكن أن تتعامى الهيئات الدولية تماماً عن أي مؤشر خلل رافق الانتخابات، ولم نجد له أي اشارة في تقاريرهم؟ أين هو حق الوصول الى المعلومات المذكور في الدستور، وأين تطبيق الشفافية في العملية الإنتخابية، وكم هو عدد الصحفيين الذين سمح لهم بزيارة المراكز الإنتخابية، وأين تقع هذه المراكز؟ ألم تكن منتقاة بعناية ؟
مشكلة السيدة "هيباسكوفا" تماثل مشكلة الحكومة فهي تعتقد أن مجرد ذكر السلبيات سيعكر صفو باقي الملفات، وسيسيء لسمعة الديمقراطية في العراق.. بينما أن حياة الديمقراطية تنمو طبيعياً وسط بيئة سماع الانتقاد والملاحظات.