المنبرالحر

انتخابات العراق ، أزمة تلد أخرى/ عادل كنيهر حافظ

عاتبني احد الأصدقاء ،على ما كتبته قبل أيام ، عن ان الانتخابات العراقية ، كونها تحمل في بطنها ، لقيطا ، ناتجا من ظهر الأزمة المستفحلة ، حيث تلد لنا ذات الكتل السياسية ، التي أهلكت ، الزرع والضرع ، لكن السيد هوشيار زيباري ،في مقابلة له مع قناة الشرقية في ٤/ ايار ، ذهب ابعد حين قال وهو على كامل الحق ،بان الانتخابات الحالية عززت الروح الطائفية والعشائرية ،حيث فرضت طريقة انتخاب كل محافظة من أبنائها ، روح التجافي وعدم الشعور بالانتماء لكل الوطن ، حيث لا يستطيع ابن السليمانية ان ينتخب ابن العمارة ، مثلا كما قال السيد الوزير.

مع ذلك ينافح السيد الحكيم بضرورة تشكيل حكومة الأقوياء القادرة على التغيير ، والذي تعني عمليا حكومة محاصرة الأقوياء، من جانبه يعرف السيد الصدر التجديد في الحكم هو إزاحة المالكي ، والمالكي ينشد التغيير الدي يكرس بقاءه في المركز الأول في السلطة، وقوائم العرب السنة ترى ان البديل هو تكتلها في اتحاد واحد قوي ثم التحالف مع الكرد وأحدى قوائم الشيعة من غير المالكي ، والكرد يريدون حكومة الشراكة لكي لا يستبعدهم احتمال تشكيل حكومة أغلبية عن حكم العراق ، وإيران ترى ان همها الأول هو ان يكون رئيس الحكومة بيد العرب الشيعة ، وأمريكا تحث العراقيين على تشكيل حكومة شراكة بأسرع وقت ... .
وعلى الرغم من شجاعة الشعب العراقي، وإصراره على الوصول الى صناديق الانتخابات والأدلاء لمن يراه ممثلا له في مجلس الشعب ، حيث كان دافعه ان يتغير شيء ما ، ظلت القوى المتنفذة في الحكم ، على نفس النهج في وضع مصالحها أولا ، والانطلاق من قاعدة تأمين تلك المصالح ووضعها في الاعتبار، في كل تطبيقات السياسة والاقتصاد وإدارة مؤسسات الدولة العراقية، الحال الذي سيتجلى أزمات مرعبة ومشاكل وإشكالات، من شأنها ان تقضي على ما تبقى لبعض العراقيين من وسائل العيش الطبيعي ، حيث بدأت برسم الطرق والخرائط التي تؤمن لكل منها الحصة التي يريدها من كعكة السلطة ، قوائم الشيعة تتقاتل بينها على رئيس الوزراء ، والقوى السنية تتصارع على رئيس الكتلة، والأكراد يتناكفون بينهم على الوزارات السيادية في الإقليم ،وكل من الكتل يدعي خدمة العراق، ويستنكر الطائفية ظاهريا ،ولكنهم يعززون الطائفية على حساب مصلحة الوطن ، بل ويلجأ العرب السنة والشيعة الى الاستقواء بامتدادهما الطائفي في دول الجوار ،العامل الذي يعقد الأمور أكثر، دع عنك ما يمثله التدخل الإقليمي من ثلم للسيادة الوطنية في بلد يعج بملايين اليتامى والأرامل ، ويعيش فيه أكثر من مليونين ونصف مواطن عراقي في بيوت الصفيح العشوائية ، على ذمة وزير التخطيط في تصريح له لقناة الشرقية يوم ٥/أيار. أما الفقر فقد شد خناق أكثر من ربع السكان ، الذين تجاوزت الامية فيهم ٦ ملايين شخص وأغلبهم من النساء.
ولم يشد الإرهاب رحاله عن العراق، وإنما راح يوسع من مجال فعله الموغل في الأجرام ، ويحصد أرواح العشرات من أبناء العراق المعذبين وأكثرهم من الأطفال والنساء .
والمؤلم حقاً لأهل العراق أنهم لا يرون ان الفرج قريبا ، وإنما الذي يلمسونه ويعيشون فيه هو تراكم الأزمات وشمولها اغلب مجالات الحياة ، في مجال الصناعة والزراعة والتجارة والتوزيع والإعمار والسياحة والصحة والأمن والنقل والبيئة والرياضة والعلاقات الاجتماعية والسياسية وعموم التعاضد والتكافل والتآخي الاجتماعي ، مما يؤشر لهم بان الهضيمة والضيم سيزمن بهم ، بسبب تجربتهم المريرة مع ذات الكتل السياسية ، ألتي جاءت بها الانتخابات الأخيرة، وقد باشرت هذه القوى بتهيئة أذهان الناس لتدخل في روعها ، ان العراق لا يتحمل حكومة أغلبية حاكمة وأقلية مراقبة للحكم ، تحت حجة ان الأغلبية لا تحترم بل وتجرم الأقلية المراقبة او المعارضة، بسبب من عدم نضوج الثقافة الديمقراطية، كون مجتمعنا لازال طري العود ... وتساق هذه الحجج والاعذار ، لكي نذهب ثانيتا الى حكومة الشراكة ، وهي التعبير المحسن لتسمية المحاصصة الإثنية المقيتة ، وبالتالي ببدء الصراع بين الكتل حول الحصص من السلطة، الامر الذي يدفع قوائم المناطق الغربية قائمة الجنيفي وعلاوي والمطلك وقائمة عراقيون وقائمة سليم الجبوري في ديالى ،الى الاتحاد ليخوضوا الصراع بقائمة لها ثقلها في التوازنات السياسية ، ثم تسعى الى التحالف مع اثنين من الكتل الشيعية الكبيرة وهي قائمة عمار الحكيم التي تتوقع ان تتضاعف أصواتها ،وقائمة الصدر، مستغلة علاقات هذه الكتل برئيس الوزراء نوري المالكي ، وقائمة مسعود البرزاني التي لها موقف غير ودي من شخص المالكي وما يتركه ذلك الخصام من مآس على الشعب العراقي .
عموم الحال الذي يترك الاحتمالات كلها واردة، اذا لن يخرج الشعب العراقي ، كما خرجت شعوب مصر وتونس الى الشارع ،ويضع حدا لمعاناته التي أزمنت ، وتجاوزت المدى ، لان الخير لا يطل على أهل العراق ، في ظل حكام عديمي الضمير، لا تهمهم غير مصالحهم ، حتى وان اصبح العراق مكانا صالحا للموت المجاني ...