المنبرالحر

الشرق الاوسط الكبير وتجزئة المجزء/ احمد عواد الخزاعي

بدأ الاستعمار الغربي الحديث للشرق الاوسط في منتصف القرن السادس عشر الميلادي بصيغة الاحتلال المباشر للبلدان العربية واستثمار مواردها الزراعية والمعدنية لصالح الدول الاستعمارية آ ن ذاك مثل الدولة العثمانية و هولندا والبرتغال والتي أستمرت لقرون عديدة، وبعد أنتهاء الحرب العالمية الاولى سنة 1918 وخروج الدولة العثمانية مهزومة فيها جاءت بريطانية وفرنسا لتقسيم أملاك الدولة العثمانية في المشرق العربي فيما بينها حسب الاتفاقية سيئة الصيت المبرمة بينهما عام 1916 (سايكس بيكو )، وأصبحت المنطقة بجميع مواردها ملكا للدول الاستعمارية الجديدة والتي كان أهمها الثروة المكتشفة حديثاً (البترول) أضافة الى انها اصبحت سوقا لترويج منتجات الدول المحتلة ..وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية 1945 ظهرت اميركا للوجود كقوة اقتصادية وعسكرية وبدأت تحاول ان تمد نفوذها في المشرق العربي طمعاً بالثروات الهائلة القابعة تحت أرضه دون أن يعلم اهله بحجمها او أهميتها بالنسبة لبلدانهم الفقيرة، فحاولت أن ترث ممتلكات الدول الاستعمارية القديمة ولكن بطرق اخرى أكثر نفعا واقل خسائر ودون اللجوء الى الاستعمار والاحتلال المباشر باستخدام القوة العسكرية ..فشجعت على قيام الدكتاتوريات في المنطقة ودعمتها وعملت على ترسيخها في العقلية العربية لتبقى هذه الانظمة رابضة على صدور شعوب المنطقة لعقود طويلة تمارس أبشع أساليب الظلم والكبت ومصادرة الحريات وغياب العدالة الاجتماعية بحقها بمباركة أميركا وحلفائها الغربيين ..وبعد انتهاء الدور الذي رسم لهذه الزعامات الكارتونية من قبل امريكا والغرب وحان موعد تغيير الوجوه والسيناريوهات جاء الدور للفوضى والربيع العربي الجديد الذي هو تمهيد لمشروع اكبر جاءت به ادارة الرئيس الاميركي (جورج بوش الابن) للمنطقة والذي طرحته بشكل رسمي في أجتماع الدول الصناعية الثمانية عام 2004، ويشير هذا المشروع الى تشجيع الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الشرق الاوسط الذي تسعى امريكا الى توسيعه ليشمل (تركيا واسرائيل وباكستان وأفغانستان ) تحت مسمى (الشرق الاوسط الكبير ) . وقد احتوى المشروع على عدة نقاط هي في ظاهرها ذات طابع اصلاحي يسعى الى التطوير والنهوض بالواقع الشرق اوسطي وتخليص دوله من المشاكل التي تعانيها مثل البطالة والفقر والجهل والبطء في النمو الاقتصادي وحقوق المرأة، وقد بني هذا المشروع على مجموعة من التقارير التي كان يرسلها الكتاب العرب الى الامم المتحدة حول التنمية البشرية في بلدانهم للعامين2002 _2003.. وقد اشار التقرير الى مجموعة من الحلول لهذه الازمات التي تعانيها هذه الدول لقيت التأييد من قبل الدول الثمانية وكانت اولى تلك الحلول هي (الاصلاح)..الذي عرف على انه مطلب جماهيري ونخبوي للمثقفين والأكادميين في المشرق العربي وحدد بفقرة تحت عنوان (اشاعة الديموقراطية والحكم الصالح ) حيث اشار الى وجود فجوة كبيرة بين البلدان العربية والدول الاخرى على صعيد الحكم القائم والمشاركة، ويعمل هذا النقص في الحرية والتنمية البشرية وهو احدى تجلياتها الاكثر ايلاما ..وان الديموقراطية والحرية ضروريتان لازدهار المبادرة الفردية لكنهما مفقودتان الى حد بعيد في ارجاء الشرق الاوسط .. وفي تقرير منظمة فريدم هاوس للعام 2003 اشار الى ان اسرائيل الدولة الحرة الوحيدة في المنطقة بينما حصلت الدول العربية على ادنى الدرجات في الحريات اواخر التسعينيات .. لكن الملفت للنظر في هذا المشروع هو وجود فقرة تؤكد على الحفاظ على المصالح الاميركية وحلفائها في المنطقة ..وطبعا من ضمنهم اسرائيل .
ومن هذا المنطلق والعنوان الانساني الكبير مررت اميركا وحلفائها الغربين مؤامرتها على المنطقة، وبدلا من السعي لاحداث التغيير بشكل يضمن قيام ديموقراطيات حقيقية ومتوازنة في الشرق الاوسط عمدت على خلق الفوضى وتشجيع الجماعات الاسلامية المتطرفة الى مصادرة الربيع العربي وجعله ربيعا للتطرف والقتل والفوضى كما حدث في مصر ويحدث في سوريا الآن اضافة الى العراق والاشكالية المزمنة التي لديه في تفشي الارهاب المدعوم من قبل حلفاء اميركا في المحيط الاقليمي والعربي .. وأتضح ان مشروع الشرق الاوسط الكبير ما هو في الحقيقة الا مشروع تقسيمي فوضوي يهدف للقيام بتجزئة المجزء وتحويل دول المنطقة الى كيانات صغيرة تتصارع فيما بينها على الثروة والحدود والمياه اضافة الى الصراع الاثني والقومي المختبئ في رحمها .
كما اشار الكاتب الاميركي المقدم رالف بيترز في مقال نشره في مجلة القوات المسلحة الاميركية ..الى ان هناك ظلما كبيرا قد وقع على الاقليات الاثنية والعرقية في الشرق الاوسط عند التقسيم الاول له في اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 وهم ( الكرد والشيعة العرب ) ..وعرف هذه الاقليات (على انها الجماعات والاقليات التي خدعت عند التقسيم الاول ) ..وهنا يعتقد الكاتب بان بريطانية قد وقعت في خطأ كبير عند تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 بعد ثورة العشرين وتجاهلها للاغلبية الشيعية في العراق واستبعادهم من رأس السلطة اّن ذاك ..او أقامة دولة اثنية خاصة بهم في وسط وجنوب العراق وكذلك الكورد الذي يعيشون ضمن هذا النطاق ..(ويشير الكاتب الى وجود كراهية بتصوره هو بين هذه الاقليات الموجودة فيه يستدعي التقسيم مرة اخرى انطلاقا من التركيبة السكانية لهذه الدول تبعا للدين والمذهب والقومية حتى يعود السلام اليه مرة اخرى )..والكلام هنا للمقدم رالف بيترز ..وقد قسم الشرق الاوسط الجديد بصورة قد تبدو في اغلبها غير منطقية لكنها تعكس وتميط اللثام عن شئ مهم وكبير من وجهة النظر الغربية لمستقبل المنطقة والعالم ..قسم العراق الى ثلاث دول (شيعية وكوردية واخرى سنية تنضم لاحقا الى سوريا ) وجزء المملكة العربية السعودية الى اربعة اجزاء يضم جزء منها الى اليمن واخر الى الاردن ودولة شيعية تتحد مع بعض الامارات الخليجية لتكون دولة شيعية كبيرة وقوية موازية للجمهورية الاسلامية الايرانية وتكون ندا لا حليفا لها ) ..وفق هذا التقسيم الخرافي للمنطقة سيجعل من اسرائيل سيدة الموقف في الشرق الاوسط وستصبح بيضة القبان في هذا الصراع الذي سيحصل بين هذه الدويلات على الثروة والمياه والحدود كما اشرنا سابقا ..ويتحقق حلم اسرائيل الذي اشار اليه رئيس وزرائها السابق شمعون بيريز في كتابه الشهير (الشرق الاوسط الجديد ) الذي صدر عام 1993 والذي طرح فيه فكرة انضمام اسرائيل الى الجامعة العربية وتحولها الى منظمة اقليمية وليس عربية بقوله ..( ان هدفنا في المرحلة المقبلة ينصب على انضمامنا الى الجامعة العربية واعتقد ان جامعتهم العربية يجب ان تسمى الشرق اوسطية لاننا لسنا عربا ..علما ان الجامعة العربية اصبحت شيئا من الماضي )..وهنا اعتقد اذا ما تحقق هذا الحلم الاسرائيلي فستصبح اسرائيل شرطي المنطقة بما تمتلكه من نفوذ سياسي وعسكري فيها وستقود العالم العربي بصورة مباشرة دون عملاء او بروتوكولات سرية وسيحدث في الشرق الاوسط كما حدث في عهد دولة ملوك الطوائف في الاندلس عام 422 هجرية وانهيار الخلافة الاموية هناك وتحولها الى طوائف وممالك تتصارع فيما بينها على النفوذ والثروة مستعينة بجيوش ملك قشتالة الصلبية الفونسو السادس على بعضها البعض .. وهذا ما نوه اليه شمعون بيريز ايضا بقوله .. (لقد جرب العرب قيادة مصر لهم مدة نصف قرن فليجربوا قيادة اسرائيل اذن)..وهذا الامر هو ما تسعى اليه امريكا والغرب بقول الكاتب الاميركي بول كريغ في مقال نشره بعنوان (الولايات المتحدة المتواطئة في تحطيم لبنان مع اسرائيل )..(ان ما نشاهده الآن في الشرق الاوسط هو تحقيق خطة المحافظين الجدد في تحطيم اي اثر للاستقلال العربي الاسلامي والقضاء على اي معارضة للاجندة الاسرائيلية ) .