المنبرالحر

ألا ليت ماركس الى جانبي ليرى بعينيه كل هذا !/ صادق البلادي

اليوم الأول من أيار، هو اليوم الأول بعد إغلاق صنادق الإقتراع لإنتخاب الدورة الرلمانية الجديدة ، والكل يتلهفون إنتظارا للنتائج التي ستفرزها المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات، منتظرين في نفس الوقت أن تُثبت النتائج إنطباق صفة الإستقلالية على المفوضية ، فتكون النتائج فيها بعض التغيير ، الذي دعت اليه ليس فقط قائمة التحالف المدني الديمقراطي، بل وحتى المرجعية الدينية ، التي دعت الى المشاركة في الإنتخابات والى أن يكون التصويت من أجل التغيير نحو الأفضل. ولكنه أيضا هو يوم العمال العالمي سترتفع فيه الرايات الحمراء في بغداد، والبصرة ومحافظات العراق، بضمنها محافظات إقليم كردستان أيضا. الشَيَبة أمثالي يتذكرون التظاهرات الخاطفة، التي كان ينظمها الحزب الشيوعي العراقي أيام العهد الملكي المباد، بذاك اليوم النضالي، التضامني مع عمال العالم ، وتعبيرا عن الإستجابة الى نداء البيان الشيوعي: يا عمال العالم إتحدوا ! ، كما نتذكر- نحن الشَيَبَة - التظاهرة الضخمة في أيار عام 1959، أول تظاهرة في العهد الجمهوري الأول، العهد الذي حققته ثورة الرابع عشر من تموز58 بقيادة الوطني ، النزيه، العفيف عبد الكريم قاسم، تلك الثورة التي كان يمكن لها أن تسهم في تحقيق ما حلمت به البشرية، وخاصة شبيبة العالم بعد الحرب العالمية الثانية ، إثر القضاء على الفاشية، وسعت من أجل تحقيقه، عالم الحرية والعدالة الإجتماعية ، التي تحقق للإنسان كرامته. لكن تلك الفرصة أضاعها الفصل بين الوطنية والديمقراطية، وأجهضها إنقلاب الثامن من شباط البعث الفاشي، بتدبير سائق القطار الذي جاء بها، بقيادة " الحليف الاستراتيجي" للعراق الآن، كما حددته معاهدة 1930 الثانية ، المعقودة مع الأمريكان، على طراز الأولى التي عقدت مع البريطانيين.
ومعروف أن يوم الأول من أيار هو يوم عالمي تضامني، نضالي للعمال الكادحين، المظلومين، دعا الى تنظيمه مؤتمر الأممية الأولى، المنعقد في جنيف عام 1866، والذي جدد المطالبة بتنظيمه مؤتمر عمالي عالمي عُقد في باريس ، يوم 14 من تموز 1889، وحضره 400 ممثل لوفود عمالية من أحزاب و نقابات عدد كبير من البلدان ، وكانت مناسبة انعقاد المؤتمر ، الإحتفاء بالذكرى المئوية للهجوم على الباستيل، الذكرى المئوية للثورة الفرنسية ، التي رفعت شعارات : حرية ، إخاء، مساواة ، غير أن البرجوازية لم تطبقها، بل داستها وتناستها ، رغم انها ظلت تلوكها، وترفعها شعارات، فارغة المضمون. لكن الطبقة العاملة صارت هي الوريث لكل ما دعت اليه البشرية من أفكار تقدمية ، وأدركت أن تحرير الطبقة العاملة لا يمكن أن يكون إلا من صنع أيديها، كما حدث في ثورة اكتوبر الإشتراكية عام 1917، التي ظلت بالأسم والشعارات اشتراكية، لكنها آلت فعليا الى ايدي البيروقراطية الحزبية، التي استطاعت أن تجهض محاولة التخلص من الستالينية، ومحاولة البيروستريكا ، كذلك . مؤتمر باريس ذاك دعا الى" تحديد وقت يجري فيه تنظيم تظاهرات أممية كبيرة ،في نفس الوقت في جميع المدن يوجه فيه العمال الى السلطات العامة المطالبة بتحديد يوم العمل بثمان ساعات. و بالنظر الى حقيقة أن عصبة العمال الأمريكية قد قررت تنظيم مثل هذه الفعالية في يوم 1 أيار 1890، تقرر إعتبار هذا اليوم يوما للتظاهر العالمي." ولم يشهد ماركس هذا اليوم، فقد كان الموت قد إختطف جسده قبل سنوات سبع، إلا أن رفيقه انجلس شهد يوم الأول من أيار عام 1890 ، وكتب عنه :( " يـا عمـال الـعـــالم أتـحـــدوا" حينما ألقينا هذه الكلمات في العالم لم تجاوبنا سوى بضعة أصوات . وكان ذلك منذ أثنتين وأربعـيـن سنة وكنا إذ ذاك على أعتاب الثورة الباريسية، أول ثورة خاضتها البروليتاريا بمطالبها الخاصة . ولكن لم يحن يوم 28 أيلول عام 1864 حتى كان العمال من أكثر أقطار أوربا الغربية يتحدون ويؤلفون جمعية الشغيلة العالمية ــ عرفت فيما بعد باسم الأممية الأولى ــ ذات الذكرى المجيدة . ان الأممية نفسها لم تعش سوى تسع سنوات، أما التحالف الأبدي الذي أنشأته بين عمال جميع البلدان، فليس أدل من يومنا هذا نفسه على أنه لا يزال موجودا ، وانه الآن أقوى منه في أي وقت مضى. ففي اللحظة التي أكتب فيها هذه السطور ، تستعرض البروليتاريا الأوربية والأمريكية قواها الكفاحية التي تنتظم لأول مرة في جيش واحد ، وتحت علم واحد ، وفي سبيل هدف مباشر واحد هو تحديد يوم العمل العادي بثمان ساعات تحديدا قانونيا ، هذا اليوم الذي طالب به مؤتمر الأممية المنعقد في جنيف عام 1866 ، وطالب به من جديد مؤتمر العمال المنعقد في باريس عام 1889. إن مرأى هذا اليوم سوف يبين للرأسماليين وكبار أصحاب الأراضي في كل الأقطار ، أن عمال العالم متحدون الآن اتحادا حقيقيا. ألا ليت ماركس الى جانبي ليرى بعينيه كل هذا" ) بهذه الكلمات اختتم فريدرش انجلس مقدمة الطبعة الألمانية الثانية عام 90 18، وكان انجلس يعيش يوم ذاك في لندن، بعيدا عن وطنه. ما شأني وأنا إبن التاجر المتدين، أنا الطبيب والمثقف وهذا اليوم ، الذي تحقق الآن للعمال مطلبهم في ثمان ساعات يوم عمل؟ ذلك لأني موقن تمام اليقين، وبانهيار معسكر الإشتراكية القائمة بالفعل، إزددت إيمانا ، وقناعة بأفكار الشيوعية، بأن لا خلاص للبشرية من الفناء إلا بالقضاء على الرأسمالية، وآنذاك فقط " يحل تجمع جديد تكون حرية التطور لكل عضو فيه شرطا للتطور الحر للجميع." ولأني موقن بصحة قول فهد أنه بالإشتراكية يبدأ " الإنتقال من أدوار عاشت فيها البشرية عيشة لا إنسانية ، عيشة بربرية شبه وحشية الى مجتمع إنساني حقيقي، مجتمع يعمل فيه الإنسان بمحض إرادته وفيه يبتدئ تاريخ الإنسان. " ولأن الشعور والإحساس بانضمامي " الى جبهة الطبقة العاملة التي هي ثورية أو لاشيء، الى الطبقة التي تحمل المستقبل في قلبها " يملأني بالفرح والسعادة ، ويمنحني الهمة ويبقيني رغم الشيخوخة فتى مع الفتيان.