المنبرالحر

منهو اللازم الجيس؟/ عبد الله السكوتي

كان السيد مصطفى الانكورلي من رجال القضاء، وكان قد نشأ نشأة دينية متزمتة، وقد عين مديرا لدائرة الاجراء في البصرة، وكانت العادة ان يقوم مأمور الاجراء بتسوية الديون بين الاطراف المتنازعة، تخفيفا لمهام مدير الاجراء، ومن ثم رفع قرار التسوية اليه للمصادقة عليه، فلما تولى الانكورلي هذا المنصب كانت التسويات تجري امامه. وفي احد الايام مثلت امامه سمسارة عليها دين، ومعها دائنها، فاظهرت عجزها عن اداء الدين، فصرخ بها طالبا ان تسدد الدين باجمعه او ترضى بالتسوية، فقالت: والله بيك ما اكدر ادفع الدين، لا كله ولا بالاقساط، لان الشغل هالايام واكف، والرزق شحيح، والمراجعين قل عددهم، والشرطة مشددة مراقبتها علينه. فامتعض الانكورلي اشد الامتعاض ونهرها مستنكرا، فظنت انه لم يصدق اقوالها، فقالت: والله العظيم بيك ما اكول غير الصدك، واذا حضرتك ماتصدكني الزم الجيس بيدك، فنهرها واعاد امر التسوية الى مأمور الاجراء. ونحن الآن، الكيس بيد من، بيد مفوضية الانتخابات ام بيد الحكومة المنتهية ولايتها، لا ندري وربما الكيس بيد بعض الكتل التي فازت بفرمان السلطان، او تأييد بعض المراجع ومن شعر بالافلاس هرول خلف التزوير.
كل هذا يجري وداعش والقاعدة تتقاتلان على ارض العراق، والفيضانات تهدد بغداد، والحكومة تقول المعركة محسومة ولم يبق الا القليل. انها ديمقراطية الهدف الذهبي، او ديمقراطية الوقت الضائع، من يسجل الهدف سيفوز، ويرهن مستقبلنا بيد الشيوخ والعجائز. التشاؤم يملأ قلوب الكثيرين ومساحة الامل تضيق يوما بعد آخر، وقضية التقسيم تزحف بسرعة فائقة، اما اميركا فعادتها انها تحب التوازن، وكما فعلت في سوريا ستفعل في العراق، انها لا تريد للقاعدة او داعش ان تخسر المعركة على ارض الرافدين، والا لماذا تخبىء معاهدة الدفاع المشترك بينها وبين العراق خلف ظهرها، وتعطي العراق السلاح دفعات صغيرة، ولا ترضى بتجهيز جيشه من دول اخرى، اميركا تريد اطالة امد المعركة مع الارهاب، وتتمنى ان تعود المليشيات الى الساحة لتجير المعركة باسم الدين والطوائف وتعممها على دول اخرى، وهي تعلم حتى فلسطين لا تسلم من قضية الطائفية والدين والعرق، دعوات كثيرة ترفعها اقليات استفادت من تجربة العراق. البلدان العربية جميعها ملغومة بالطائفية اضافة الى البلدان الاسلامية، ولن يكون العراق او سوريا او مصر، آخر المطاف، اما القذافي الفاطمي فقد ذهب نتيجة خطأ تاريخي، والا فأميركا حريصة على التوازن في اعادة الدولة الفاطمية الى منشئها الاول، من هذا نكتشف ان اميركا هي من يمسك الكيس، وبقية الاطراف عبارة عن بيادق تحركها كيف تشاء، اما الاقساط فهو التراخي في حسم الامور المهمة في العراق واميركا قادرة على حسمها، ولكنها تتعمد في اطالة المرض وعدم اعطاء العلاج الكافي، وهذا الهدف قد اعلنت عنه اميركا قبل احتلال العراق، وهو ماسمته بالشرق اوسط الجديد، لقد انسحب العراقيون خلف الطائفة فكانت الانتخابات طائفية والاصطفافات طائفية، فتشرذم الشعب وتجزأ ولم يبق سوى الاعلان عن الانفصالات باقاليم، حتى صار المرشح يعد ناخبيه انه اذا فاز سيحقق لهم حلم الاقليم، وهكذا صار الاقليم حلما للشعب العراقي بعد ان كانت الوحدة هي الحلم، كثيرون يهرولون خلف الكيس ويستقتلون للحصول عليه، وهو لا يعدو ان يكون وصمة عار بجبين ماسكه، ليبقى الماسك الاكبر لكيس السمسارة هي الولايات المتحدة الاميركية، وهي التي تقوم بتوزيع الادوار بحسب رؤيتها المستقبلية للعراق، انها انتخابات حقيقية تعب فيها الشعب وهرول خلف وعود المرشحين، لكنه للاسف لا يعلم منهو اللازم الجيس.