المنبرالحر

الطوفان / قاسم السنجري

ما بين "نيبور" والأراضي الممتدة من جنوب "الفلوجة" إلى "أبو غريب" عامل مشترك، يعيده التاريخ، ألا وهو الفيضان، حتى وإن اختلف الفيضانان دراميا.
فما حدث في نيبور، ترجعه الالواح الطينية إلى غضب الطبيعة أو الالهة، التي امرت المياه بان تغرق المدينة بأهلها ولم تبقِ منها سوى مفردات حملتها ألواح طينية فك رموزها الاثاريون. أما مناطق جنوب الفلوجة وصولا إلى ابو غريب، فقد تعرضت إلى إغراق غريب من نوعه، حين سيطرت عناصر إرهابية على سد استراتيجي وناظم من اهم نواظم نهر الفرات واطلقت مياهه نحو الاراضي الزراعية والاحياء السكنية لتلاقي مصيرها غرقا واتلافا للمحاصيل الزراعية والممتلكات وتضرر المنازل وتهجير سكانها. فضلا عن ضرر لم يلتفت إليه أحد، حيث فقد سكان هذه المناطق القدرة على المشاركة في الانتخابات وبهذا خسروا فرصة منح اصواتهم لمن يعتقدون انهم يمثلهم في مجلس النواب المقبل. أن توقيت هذه الطوفان العجيب يبدو غريبا زمانا ومكانا، حيث أنه تزامن مع الايام الاخيرة التي سبقت موعد الانتخابات. وهذا يبعث على الشك بان هناك أمراً مدبراً لحرمان سكان هذه المناطق من ممثليهم في البرلمان مهما كانوا وإلى أي كتلة ينتمون.
تقول محافظة بغداد أن الأراضي التي غمرتها المياه تقدر بـ٧٥ كيلو مترا مربعا أغلبها من الأرضي المزروعة أو المهيئة للزراعة. وهذه الخسارة الكبيرة التي لحقت بالاقتصاد الوطني الذي يفقد رغم كونه ريعياً، عناصر أخرى من مقوماته يوما إثر يوم.
ومن الملفت أيضا أن إحدى الجهات التي تباهت بسيطرتها على مياه الفيضان وتحويل اتجاهه مرة أخرى إلى نهر صغير متفرع من الفرات، ذكرت أنها حفرت قناة بطول ٤٥ مترا!، نعم ٤٥ مترا، كان بإمكان عدة فلاحين أن يقوموا بشق هذه القناة وتحويل اتجاه المياه. ولكن السؤال الأكثر اهمية هو أين كانت الجهات المختصة عن هذه الـ٤٥ مترا؟ ولماذا لم تسارع في حينها إلى شق هذه القناة القصيرة؟، هذا التأني في الإجراءات يثير الشكوك والقلق من تجيير كل أمر وقضية إلى مكسب سياسي، وهو يجعلنا نمعن النظر في كون طوفان سدة الفلوجة تقف وراءه غايات تثير مجرد التفكير في تفسيرها الرعب حول مستقبل العراق وطريقة إدارة البلاد.
لا يمكن لدولة في العالم الممتد شرقا وغربا، أن تتباطأ حكومتها في انقاذ مدينة من كارثة بيئية أو إنسانية، كالتي حدثت بسبب سيطرة مجموعة إرهابية وقفت اسلحة الجيش عاجزة عن ابعادها عن هذا المرفق الحيوي.
أي عقلية تخريبية تقف وراء مشاريع إرهابية كهذه شكلت قفزة نوعية في اسلوب حرب العصابات الذي تتبعه هذه المجاميع. فهي التي اغرقت الاراضي، قابلها ابطاء مستغرب من جهات حكومية كان الواجب يحتم عليها أن تهرع لانقاذ ما يمكن انقاذه، لا ان تكتفي بتصريحات ربما لا نجد لها اساسا على أرض الواقع. فما زالت الاخبار تترى عن غمر المياه لمساحات شاسعة من مدن ابو غريب والنصر والسلام وخان ضاري، تقابلها تصريحات حكومية بانحسار المياه!