المنبرالحر

الكساد يصنعه الفساد / محمد شريف أبو ميسم

ليس هنالك ابشع من فساد السياسة ، فهي ان فسدت ساح فسادها على مفاصل الحياة الاقتصادية والاجتماعية برمتها، وقد افرزت لنا السنوات الماضية فساداً سياسياً تغلغل في كل مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وشل حركة الهيئات الرقابية بعد ان تشكلت الدولة على أساس العوائل الادارية المشتقة من العشائر والتجمعات الطائفية والحزبية.. فالتهمة جاهزة لكل جهة تلقي القبض على أي مفسد فهو استهداف طائفي تارة بهدف اثارة النعرات الطائفية والاحتماء بها، وتارة اخرى استهداف سياسي واحيانا استهداف على اساس الخلفيات والمعتقدات التي تتقاطع مع السلطة أو ربما يكون استهداف شخصي. وبات العراق متخم بالابرياء المستهدفين بدوافع وخلفيات طائفية وسياسية! فيما تأتي زمر الفساد وعلى ما يبدو من كوكب آخر كل ليلة فتعبث بنزاهتنا وترحل عند الصباح!.. وأضحى الجميع في موقف ضد الفساد، فيما تستغل المناصب لخدمة عوائل واحزاب معينة وطوائف وقوميات على حساب المصلحة العامة.. والضحية هو الانسان العراقي البسيط ..
وحين اقترب موعد رحيل من انتخب او كلف بمهمة للاربع سنوات الماضية مخلفين وراءهم مسودات القوانين المهملة في الادراج وعلى سطوح المكاتب ،طالب البعض منهم بلملمة اوراق قانون الموازنة العامة لاقرارها بدافع من بقايا ضمير سياسي مزقته المصالح الفئوية الضيقة ،الا ان البعض الآخر أبى أن يقر هذا القانون وهو القانون السنوي الأكثر مساسا بقوت الناس وبعجلة الحياة بدوافع واسباب باتت معروفة فترتب على ذلك اضراراً بالغة على الحياة الاقتصادية ضربت في الصميم فئة الفقراء ومحدودي الدخل الذين يعملون في الحرف والمهن وباجور يومية لسد رمق عوائلهم.. وها نحن نقترب من منتصف الشهر الخامس من العام ولم يتبقى سوى ثلاثون يوما من عمر البرلمان الحالي وقانون الموازنة متناثرة أوراقه بين المقاعد الشاغرة في مجلس غاط في نومه. وحين تسأل الانسان البسيط عاملا كان ام فلاحا ، أو بائعا متجولا أو يفترش الرصيف.. يقول لك (الشغل واقف). ويقصد ان الكساد خيم على حركة العمل وحركة الاسواق والكساد مصطلح يطلق على أي انخفاض ملحوظ وواسع النطاق في النشاط الاقتصادي يستمر لعدد من الأشهر، وهو إحدى مراحل الدورة الاقتصادية،اذ عادة ما تزداد فيه البطالة، وينتج عنه تدني وهبوط في الإنتاج والأسعار والوظائف وكذلك الإيرادات, وخلال فترة الكساد الاقتصادي تنخفض السيولة النقدية, وتنحسر الاعمال وبالتالي يفقد كثير من العمال والموظفين وظائفهم. وخلال مراحله تنخفض القوة الشرائية لدي المستهلكين ويكون ذلك ملحوظاً من خلال تدني المبيعات لدى عدد كبير من المحال التجارية أو ما يسمى بتجار التجزئة, وبالتالي تنخفض طلبات المحلات التجارية, وينعكس ذلك على المشاريع الكبيرة والاستثمارات وهذا هو الذي يحدث الان في اسواقنا بعد توقف صرف التخصيصات المتعلقة باستمرار العمل في مشاريع البناء. فمن المعلوم ان قطاع البناء لوحده يستوعب نحو 24 مهنة وحرفة فان تعطل الاعمال المدنية وتوقفت عمليات نقل وتجهيز مواد البناء وتوقف عمل النجار والحداد وسائق الاليات والأعمال الكهربائية والصحية ومد شبكات وانابيب المياه في عدد من المشاريع المقامة وبالتالي فان ذلك يعني كساد في أسواق مواد البناء والكهربائيات والصحيات والتجهيزات المكملة من معامل الاصباغ وتجارة الزجاج والسيراميك وحركة نقل البضائع وهذا الكساد ستنسحب تاثيراته على العاملين في هذه القطاعات من بائعي الجملة وبائعي المفرد والمهندسين والحرفيين والعمال غير الماهرين وعمال النقل والتفريغ والتحميل. فكيف الحال اذا ما توقفت عموم الفعاليات الاقتصادية المتعلقة بتمويل الموازنة العامة.. من المؤكد ان ذلك سيعني توقف اعمال جيوش من البائعين والعاملين في ذات القطاعات والقطاعات الساندة لها ، فيما ستتأثر القطاعات التجارية الاخرى بانحسار السيولة النقدية لدى عوائل هذه الفئات. فينخفض الطلب على منتجات وسلع وخدمات بائعي الخضار والفواكه واللحوم والمواد الغذائية الاخرى وبائعي الالبسة والمواد والسلع المنزلية والكمالية ...الخ ، وبالتالي تقل فرص صاحب التاكسي للحصول على زبائن بسبب قلة السيولة النقدية وفرص الخياط والحلاق وصانع الابواب والشبابيك. وكل ذلك بسبب فساد البعض من السياسيين الذين يلوكون المفردات ويجهلون مدلولاتها، السياسيين الذين يحتمون بالطائفية والعشائرية والقومية ويمارسون الفوقية على البسطاء ويضعون انفسهم فوق القانون. هؤلاء الذين صنعتهم الصدفة فوجدوا انفسهم مع ربطة عنق يدافعون عن حقوق الناس ويقطعون ارزاقهم في آن واحد .