المنبرالحر

الانتخابات.. الانتصار كورطة / عبدالمنعم الاعسم

في الكثير من التجارب الانتخابية يتبدى الانتصار كورطة لأصحابه حين يكون ثمنه عمليات تزوير وإكراه وشراء ذمم وطعون في آليات الاقتراع وحساب الاصوات وحيادية السلطات، فستبقى ظنة التلاعب تلاحق المنتصرين في كل اختبار للاهلية يواجههم.
ورطة المنتصر تظهر في بُعدين، الاول، عزلة الفريق الحاكم عن «غالبية» الجمهور الذي صوّت له، وفق مدونات النتائج، وعجزه عن تعبئة الشعب لتحقيق برنامجه ووعوده، الامر الذي يؤكد اتهامات التلاعب للحصول على الاصوات المليونية، والثاني، في ظهور المهزومين كقوة تحتفظ بالمصداقية والنزاهة، وفي قدرتها على تنظيم حركة التغيير والاحتجاج، وكسب ثقة المواطنين.
تجربة استمزاج ارادة الراي العام في العراق، في الاستفتاء على الدستور وانتخابات المجالس والانتخابات النيابية اعطت مؤشرات كثيرة عن صعوبات جمة امام مشروع التغيير وبناء الهياكل الجديدة للدولة، مقابل القوى المحافظة التي تملك امكانيات إحباط هذا المشروع، فيما تدخل في حسابات قوتها فواتير عابرة الحدود، لكن في كل الاحوال لا تندحر حكمة التاريخ المتمثلة في ان الوعي العام يمكن، إذا ما تنامى خارج الحجْر، ان يغير مسار الاحداث.
عندما رشح الموسيقار اليوناني ميكيس ثيودوراكيس نفسه الى رئاسة الجمهورية، وفشل (برغم انه مناضل من اجل الحرية وقد اعتقل من قبل السلطات العسكرية الانقلابية في بلاده) صرح انه كان يعرف مناسيب حظه البسيط في الفوز بمواجهة ماكنة الاموال والدعاية التي حالت بينه وبين المنصب الاول في بلاده، لكنه كان يحرص على دس الوردة البيضاء النزيهة في حقل الديمقراطية لأسبق دول العالم اليها «بعد ان شعرتُ ان رياحا عاتية تهدد برمي بلادي الى خارج المدنية».
غير ان المعلقين والمحللين في اليونان واوربا انشغلوا طويلا في الاجابة على السؤال: لماذا لم ينتخب اليونانيون اشهر ما انجبته بلادهم من المبدعين والمناضلين، فكان الجدل يتدحرج الى الحقيقة التي تظهر في كل تجربة انتخابية: انه صندوق الاقتراع الذي تحكمه حزمة متناقضة من الاهواء والارادات والتأثيرات، وفي كل الاحوال، فان على المتسابقين ان يقبلوا بالنتائج، كما لو انهم كانوا يعرفونها، وكان ثيودوراكيس يعرفها بحق.
في التحضير لانتخابات نيسان الماضي كان جميع المتنافسين متخوفون من عدم حيادية مفوضية الانتخابات، ربما باستثاء قائمة معينة، وكان دعاة الكتل «الموسرة» يخوضون مناقشات على جانب كبير من الانفعال والمخاشنة والاستعراض الباذخ وهم يتحدثون بمفردات تهديد ووعيد، ويدخلون منطقة الخطر والحظر القانوني في تبشيع منافسيهم والتشهير بهم، ولعل الاكثر خطورة كان يتمثل في ما شاهدناه وتابعناه من عمليات تزييتٍ منهجية لماكنة الطائفية كوسيلة لصناعة القوة التصويتية، وفي ما قاله احد ناشطي هذه الماكنة: «سنرجئ الحساب الى ما بعد النتائج.. سيرون اننا لسنا متفرجين».
العبرة في التجربة الانتخابية لا تتجسد فقط بالنتائج، فلكل انتخابات نتائج يجري اعلانها، وبعد كل تنافس ثمة متقدمون ومتأخرون، بل وايضا في ترجمة الوعود الى اجراءات على الارض.. والمشكلة ان المتورطين يترجمون وعودهم دائما بالمقلوب.
********
"قوة السلسلة تقاس بقوة اضعف حلقاتها".

فيزياء

************

ينشر بالتزامن مع جريدة (الاتحاد)