المنبرالحر

مسار ونهج خطر/ عدنان حاتم السعدي

لقدهدأت العاصفة الانتخابية ولم تتمخض عن أراسيات التغيير المتوقع ، رغم الصخب الذي رافقها وما افرزته من نتائج ، فقداحبطت واجهزت على صيرورات البدائل التي منينا النفس بها..
إن سيرورات الارتقاء بالوطنية العراقية وتعميق مبدأ المواطنة وارساء اسس الدولة المدنية، باتت ضعيفة و هامشية، بل منهزمة نسبياً امام خيار الهويات الفرعية كالمكونات المذهبية والاثنية ( الشيعية - السنية- الكردية ) . فالتحالف الوطني العراقي سيكون هو من يقرر من يتولى رئاسة مجلس الوزراء من عدمها والحكومة الجديدة سوف تطيع المرجعية الدينية وتسترشد بتوجهاتها، والتحالف الكردستاني متمسك بمنصب رئاسة الجمهورية، كذلك وبالضرورة لا يرضى المكون السني باقل من رئاسة البرلمان، وعلى وفق هذه السياقات يتم توزيع باقي المناصب الوزارية. وسيعمق التقسيم معضلات الفشل التي تواجه الدولة العراقية وسوف يجهز على وحدة الانتماء الوطني عبر لعبة التناقضات والولاءات الدنيا من طائفية وعرقية وأثنية. وعلى وفق هذا المعيار والمقياس يبقي المواطن العراقي مجرد رقم مهمل خارج دائرة الاهتمام، وامكانية استغفاله والاستخاف بارادته كما تشاء قوى المحاصصة. كما نتوقع أن يتم اقصاء وتحجيم الباقي من الطيف العراقي ( من خارج الكتل الكبيرة ) . هذا في الوقت الذي كان الظرف السياسي يقتضي توافق وطني واسع وارساء اسس ورسم معالم دولة مدنية ديمقراطية، واجراء اصلاحات سياسية واقتصادية ترتقي بطموح المواطنين العراقيين.
وتأسيساً على ذلك فنحن امام واقعية سياسية وتقسيم مستدام لطبيعة السلطة حاليا وفي المستقبل المنظور وبما يتماثل و ( النموذج اللبناني ). هنا استحضر كلام السيد ابراهيم الجعفري في ندوة اقامها ( حزب الدعوة الاسلامية ) في ستكهولم قبل سقوط النظام الفاشي وأجابته على اسئلة تتعلق بطبيعة الدولة و السلطة المستقبلية، فالرجل كان واضحا وصريحا، حيث أشار بأن الحزب، حزب الدعوة الاسلامية والحركة الاسلامية العراقية يسعون الى اقامة الدولة الاسلامية باغلبية شيعية، والانتخابات والعملية الديمقراطية مجرد آلية و وسيلة للوصول إلى السلطة لتحقيق الهدف الاسمى، ومثل هذا الكلام يتكرر في ادبيات حزب الدعوة وباقي اطراف الحركة الاسلامية ( الشيعية ) ولعل دعوة السيد الحائري وقبيل اجراءالانتخابات بتحريم انتخاب العلمانيين تصب في هذا الهدف.
واستباقا لنتائج الانتخابات العامة العراقية التي جرت في 30-04-2014، استنفر التحالف الوطني العراقي جهوده وباتصالات مكثفة بين اطرافه وبسعي محموم لتحويل التحالف الى مؤسسة سياسية تنظم عمل اطرافه، وله القدرة على التأثير في الواقع السياسي العراقي كهدف معلن . و لا ضير ان تسعى الكتل والاحزاب السياسية العراقية تنظيم علاقاتها وآليات عملها وفق برامج سياسية وبحسابات وطنية لا تتعارض وبنود الدستور العراقي، أما غير المعلن فهو تكريس هيمنة المكون الشيعي على القرار السياسي العراقي عموما، خلافا لمبادئ الدستور العراقي التي تقول مادته الاولى : ( جمهورية العراق دولة مستقلة ذات سيادة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني ) ديمقراطي اتحادي )، اذن التحالف الوطني العراقي يتأسس خارج سياق ومنطوق المبادئ الدستورية وينسف مقومات التبادل السلمي للسلطة وترسيخ بناء الدولة المدنية الديمقراطية .
لا غرابة ان تتنادى بقية الكتل والاحزاب السياسية كمتحدون للاصلاح و ائتلاف العربية وديالى هويتنا واطراف اخرى من محافظات الانبار وصلاح الدين او المحافظات ( المنتفضة ) لتشكيل وتأسيس اتحاد ( سني) كنظير للتحالف الوطني العراقي ( الشيعي ). ولم تنتظر الاطراف الكردستانية اكتمال المشهد (الشيعي- السني ) فذهبت لاكمال المشهد السياسي العام بتوحيد مواقفها رغم كل الخلافات بين ( اوك، حدك، التغيير ) وباشتراطات تسبق التشكيل الحكومي ولا يعنيها من يترشح لرئاسة مجلس الوزراء، المهم فرض شروطها ورؤيتها وحسب مصالح واغراض الاقليم بمنظور قومي .
هذه التطورات المحتملة مفتوحة على المجهول وتهدد وبالاخص وحدة الهوية الوطنية العراقية وبالتالي فانها تهديد جدي للوحدة الجغرافية للعراق، وسوف يضاعف من مخاطرها تشبث ائتلاف دولة القانون وزعيم حزب الدعوة الاسلامية السيد نوري المالكي بالسلطة و التصميم على ترشحة لولاية ثالثة وهي فرضية مرفوضة وغير مقبولة لدى اغلب الاطراف السياسية والدينية العراقية لما شاب فترة حكمه وسلطته من ازمات سياسية واقتصادية واجتماعية وجعل من الدولة العراقية ومواردها ومؤسساتها وامنها واستقرارها دولة كئيبة بائسة تتندر عليها المؤسسات الرقابية والاقليمية الدولية و تحوز على الارقام القياسية بالفساد المالي والاداري لتكون دولة طاردة للاستثمار وحاضنة للارهاب الدولي، تفتقد الأمن والامان والاستقرار، يعمها موت مجاني يومي يحصد العشرات من المواطنين الابرياء . دولة فاشلة بامتياز، والحال هذا لايسوغ لحزب الدعوة الاسلامية ترشيح السيد المالكي لولاية جديدة . في مقالة سابقة بعنوان ( حزب الدعوة الاسلامية والتنصل من مفاهيم وثوابت ) قلت ان الاغلبية العددية شئ والارادة العامة للمواطنين العراقيين شئ اخر، وطالبت السيد المالكي وحزبه النأي بعيدا عن السلطة و عدم الترشح لفترة جديدة. فيكفي العراق والمواطنين العراقيين عشر سنوات من الازمات المتفاقمة و الفشل في ادارة الدولة العراقية .
فان سلطة السيد المالكي استحضرت اساليب النظام الفاشي المقبور من خلال الاستحواذ العائلي على مقاليد السلطة والاجهزة الامنية والعسكرية و حصولها على امتيازات مالية حصرية للاقارب والمعارف من خلال الصفقات التجارية والمقاولات . الانتخابات العراقية افرزت صعود اربعة من اقارب واصهار السيد المالكي ( لست في وارد ذكر الاسماء والالقاب والمناصب ) اضافة لما بحوزة السيد احمد نوري المالكي من مواقع تنفيذية في السلطة .
وان اراد حزب الدعوة الاسلامية والسيد المالكي الخروج من المأزق والازمة ورمي ما سبق من تداعيات إلى الوراء، فعليهم الانفتاح على الباقي من قوى واحزاب التحالف الوطني العراقي صاحب الاغلبية البرلمانية وايضا الكتل والاحزاب السياسية العراقية داخل وخارج البرلمان العراقي . وبدورها تتحمل القوى والاحزاب الكردستانية والاطراف العربية ( ، متحدون ، العربية ، تحالف ديالى ..) والوطنية وائتلاف العراق والتحالف المدني الديمقراطي والاطراف الاخرى، ذات المسؤولية، وعليها الدعوة لحوار وطني عابر للطائفية والعرقية والمحاصصة السياسية لغرض تشكيل حكومة وحدة وطنية وبضمانات مرحلية ديمقراطية ووفق برامج سياسية واقتصادية واجتماعية وبمدد زمنية ملزمة للحكومة والبرلمان تؤسس لمرحلة تنهي كل تبعات السلطة الفاشية المقيتة والاحتلال الامريكي وممارسات ونهج سلطة السيد المالكي وسنوات فشله . ولتكن المرحلة القادمة قادرة على التأثير في الواقع السياسي تدفع نحو ديمقراطية حقيقية تتخذ من بناء مؤسسات دولة القانون وارساء نظام سياسي تمثيلي والفصل بين السلطات واحترام الحريات السياسية تضمن فيها حقوق المواطنين العراقيين في العيش الحر الكريم، هذه الخطوة لها من الاهمية القصوى والضرورية للارتقاء بالوطنية العراقية والحفاظ على هويتها الجامعة وتتجاوز الولاء للطائفة والعرق. اما الارتكان لمفهوم مبدأ المحاصصة السياسية وهيمنة المكونات ( الشيعية - السنية - الكردية ) فان ذلك سيعمق من حالة الاحتقان والاضطراب والاحتراب ويمضي بالباقي من الدولة العراقية نحو المجهول .