المنبرالحر

الطائفة تغلب الاعتراض على التزوير أم العكس/ فرات المحسن

في مؤتمر صحفي بعيد إعلان نتائج الانتخابات بين السيد المالكي بوضوح شديد ونبرة واثقة بأن التحالف الوطني هو من سيشكل الحكومة، والمكون الأكبر داخل التحالف هو من سيرشح رئيس الوزراء القادم، وطلب من باقي الكتل الفائزة اختيار وضع المعارضة لتكون مراقبا لعمل حكومة الأغلبية، لتساهم عن طريق المعارضة البناءة في بناء الدولة العراقية. مثل هذا التصريح شديد الوضوح لا يقبل التأويل والمخاتلة السياسية التي درجت بعض القوى على اختياره كطريق للمساومات واللعب على حبال الخصومة أو التراضي مثلما كان يفعله السيد المالكي في دورتين وزاريتين سابقتين.
في جانب أخر من الأخبار عرضت كتلة الأحرار الممثلة للتيار الصدري ومن خلال أبرز قادتها وهو السيد أمير الكناني وثائق عن تلاعب بالأصوات الانتخابية سببت مضاعفة بالأرقام ومنحت قوة تصويتية لدولة القانون ورئيسها السيد المالكي وحصل من جرائها على 15 مقعدا دون استحقاقه، وبالذات في مناطق حزام بغداد ومحطات التصويت الخاصة بموظفي مفوضية الانتخابات. وعد الكناني مثل هذا الأمر سرقة واضحة ومعيبة جدا، وتغييرا وطعنا بإرادة الناخب، وقال أن ما فعلته دولة القانون من تزوير لا يمكن السكوت عنه ويجب إجراء تحقيق في الأمر. وأشار لامتلاك تياره وثائق دامغة عن انتهاكات وخروق شابت العملية الانتخابية متهما المالكي باستغلال المال السياسي والترهيب والترغيب في التأثير على خيارات الناخبين.
بدوره فأن ائتلاف المواطن الممثل لقائمة السيد عمار الحكيم وفي مؤتمر حضرة العديد من قادة الائتلاف ومنهم السيد أحمد الجلبي، فقد قال المتحدث باسم الائتلاف السيد بليغ أبو كلل بأن دولة القانون بقيادة السيد المالكي قد تلاعبت بنتائج الانتخابات وقد تم العثور على أوراق اقتراع مرمية في الشارع جميعها تشير للتصويت لائتلاف المواطن، ولم تتخذ المفوضية أية إجراء بصدد ذلك. وبين بان ائتلافه قد رصد ما سماه استخدام المال العام والسلطة في الدعاية الانتخابية لصالح قائمة السيد المالكي.
لحد هذه الساعة فأن الأمور تبدو ملتبسة حول مسألة تشكيل حكومة أغلبية، والمشهد السياسي بكامل تجلياته يذهب بعيدا عن خيار السيد نوري المالكي الداعي لمثل هذه الحكومة، فكتلتي الأحرار والمواطن تنأيان بتشكيلاتهما عن خيار حكومة الأغلبية وترجحان الخيار الآخر الممثل بحكومة شراكة وتحالف وطني. وفي الطرف الآخر فطبيعة التحالفات للقوائم الفائزة في المناطق السنية والكردية ومثلهما بغداد، تشير الأنباء لوجود ممانعة كبيرة لا بل خيار حسم في عدم المشاركة بحكومة يكون المالكي رئيسا لها. وهناك تفضيل من قبل الجميع لحكومة الشراكة وعودة لمربع المحاصصة في تقاسم سلطتي المال والقوة.
وفي حسابات الأرقام للقوائم التي فازت فالأخبار سربت عن حصول التحالف الوطني أي الشيعي على ما مجموعه 173 مقعدا في البرلمان القادم، وبهذا الرقم يكون التحالف هو الكتلة الأكبر التي يحق لها تشكيل الحكومة وبشكل مريح جدا.والرقم المعلن يأتي من حساب مقاعد ائتلاف دولة القانون ومقاعد الفضيلة والإصلاح وكتلة صادقون وهم حلفاء المالكي دون ريب، على أن ينضم لهذا التجمع قوائم التيار الصدري الثلاث وائتلاف المواطن.
دائما ما عبرت كتلتا الأحرار والمواطن عن توجهاتهم الصريحة بعدم الموافقة على حصول السيد المالكي على ولاية ثالثة لرئاسة الوزراء، وكان موقف التيار الصدري الأكثر تشددا في هذا الأمر، وكانت جل تصريحات قادته وعلى رأسهم السيد مقتدى الصدر تشير لا بل تؤكد على ممانعة قوية في حصول السيد المالكي على ولاية ثالثة.
في المشهد السياسي العراقي لا يمكن التكهن بالحدث بحيثياته العامة والخاصة فهناك العديد من العوامل الدولية والإقليمية ومثلها الداخلية، تجعله عرضة للتغيير بين ليلة وضحاها، فالمصالح الشخصية ومثلها الطائفية والقومية والوجاهات والعشائرية والمناطقية لها الباع الأعظم في تغيير أدوات اللعبة وألوان المشاهد وبالذات السياسي منها. فمنذ سقوط فاشية حزب البعث ولحد اليوم لم نلمس برامج واستراتيجيات مقنعة وحيوية لدى مجمل الكتل السياسية وقادتها وحتى أعضائها، ولم يظهروا ما يشجع على مسك يقين بامتلاكهم فكرا سياسيا راسخا حكيما وعقلانية في الخيار يمكن الاعتداد بها والارتكان أليها ومن ثم التبصر بمصائر وطن تتقاذفه أجندات خارجية ومصالح ذاتية . فالجميع كانوا مشاركين في السلطة وفي الوقت ذاته تتقاذفهم الأهواء ويقومون بدورين في مسرحية السلطة، دور المشارك وعند الحاجة دور المعارض. وفي جميع تلك الأدوار كانوا بعيدين جدا عن خيار الهوية الوطنية العراقية ومصلحة المواطن العراقي. ولذا فمن الصعب التكهن بنتائج التحالفات القادمة ولا يمكن التعويل على تصريحات وتسريبات صحفية تأتي من هنا وهناك، فربما تكون في أغلبها ذر رماد في العيون مثلما يقال أو زوابع في فناجين، وحين يصبح الجد جدا وتفرض أجندات لا تعنيها حسابات البيدر أو الحقل، سيكون هناك الكثير مما يخشاه العراقي حين تتصاعد لهجة التحديات والمناكفات لتكون الطائفة خيارا لا يأته الباطل من بين يديه ولا من خلفه، عندها تفصح حسابات الأرقام عن الخيار الحقيقي لتلك الكتل وعندها نجدها تذهب طواعية لخيار الطائفة بعيدا عن كل الضجيج الذي أثير ويثار. وعلى ذات المنوال من التداعيات والإرباك في المشهد السياسي، يثار السؤال الأكثر حيوية عن موقف السيد المالكي من الضغوطات التي توجه له وتجعله بين قطبي رحى، وهي موقف الطرف الإيراني وخياراته لمستقبل حكومة الطائفة الشيعية، ومثله موقف الولايات المتحدة التي مازالت تشكل عامل حسم ظاهر ومركب في تركيبة اللوحة السياسية العراقية.